ارشيف من : 2005-2008
زيارة بري إلى دمشق أفشلت أهداف جولة السنيورة
هل ما زال هناك حظوظ لانعقاد طاولة الحوار التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري في الثامن عشر من الشهر الجاري عشية الموعد الجديد لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية بعد اطلاق النار على هذه المبادرة من أكثر من اتجاه؟ وماذا حققت زيارة الرئيس بري إلى دمشق؟ ولماذا هاجمها رئيس الحكومة اللاشرعية فؤاد السنيورة من القاهرة في وقت لم يكن قد غادر رئيس المجلس العاصمة السورية؟ وما خلفية موقف وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير الذي اعتبر فيه "ان الرئيس بري ليس حراً في تحركاته"؟
مصادر مقربة من رئيس مجلس النواب تقارب "للانتقاد" الإجابة عن هذه الأسئلة وهي لا تخفي توقعها بأن إمكانية التئام طاولة الحوار في نيسان "باتت أمراً مستبعداً"، والأرجح أن لا تحصل نظراً لحجم الهجمة التي تعرضت لها مبادرة الرئيس بري ورفضها من قبل فريق السلطة لأنه لا يريد انعقاد هذه الطاولة لأسباب عدة أبرزها بحسب رأي المصادر "أن هذا الفريق لا يريد أن يصل إلى مرحلة بحث قانون الانتخاب، لأن هذا الفريق قد أدرك أنه في أي انتخابات على أساس قانون انتخاب عادل ومنصف خاصة على أساس القضاء سيحول هذا الفريق من أكثرية إلى أقلية". وترى المصادر أن التعليمة الأميركية السعودية قد صدرت لفريق السلطة بالعمل على تطيير استحقاق الانتخابات النيابية المقرر العام المقبل، فضلاً عن أن مجرد جلوس قيادات فريق الموالاة فيما بينها لبحث قانون الانتخاب سيؤدي إلى "تفرق العشاق" كل في حال مصالحه لأن هذه المصالح ليست واحدة، وكلّ يريد تفصيلاً لقانون الانتخاب على قياسه، وهذا القياس ليس واحداً بين أفرقاء فريق السلطة.
"نتائج زيارة دمشق"
مصادر الرئيس بري تبدي ارتياحها الكبير لنتائج زيارة الأخير إلى دمشق ولقائه القيادة السورية برئاسة الرئيس بشار الأسد، حيث ظهر أن دمشق كانت متجاوبة إلى أقصى الحدود بشأن الحل وتحديداً بشأن بنود طاولة الحوار التي كان جرى التوافق عليها بشأن تنظيم العلاقة بين لبنان وسوريا من ترسيم الحدود إلى العلاقات الدبلوماسية وغيرها، وترى المصادر أن أهم ما حققه الرئيس بري من نتائج هو التجاوب السوري غير المشروط، والتأكيد أن الأزمة في لبنان هي أزمة لبنانية ـ لبنانية وليست أزمة علاقات بين لبنان وسوريا، وهو ما أغاض فريق السلطة وأدى إلى افشال جولة رئيس الحكومة اللاشرعية فؤاد السنيورة على عدد من الدول العربية وفي مقدمها مصر والسعودية، حيث ان السنيورة بجولته هذه كان هدفه التضليل والإيحاء أن الأزمة هي أزمة علاقات بين لبنان وسوريا وليست أزمة داخلية يحتكر فيها فريق السلطة الحكم ويرفض مشاركة المعارضة، وترى المصادر المقربة من الرئيس بري أن هذه النتيجة التي حققتها زيارة الرئيس بري إلى دمشق هي التي دفعت السنيورة إلى رفض دعوة الرئيس بري للحوار في الوقت الذي كان فيه الأخير لا يزال موجوداً في دمشق لأن ما حققه الرئيس بري فضح أهداف جولة السنيورة عبر التجاوب السوري بشأن المساعدة غير المشروطة بالحل.
"مواقف كوشنير"
مصادر الرئاسة الثانية لمست حجم الهجوم على مبادرة الحوار وأن الأمور في البلاد ليست جاهزة للحل من خلال مواقف وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير الذي شن هجوماً مفاجئاً على رئيس مجلس النواب نبيه بري واصفاً إياه بأنه ليس حراً في حركته، وأنه يلعب في دعوته للحوار لتضييع الوقت. ولم يتأخر الرئيس بري في الرد عليه عندما استعان بمثل فرنسي ليتهمه بخيانة الصداقة بينهما التي عمرها ربع قرن. مصادر الرئيس بري ترصد أولاً وجود ارباك في السياسة الفرنسية تجاه المنطقة ولبنان وتلحظ وجود تناقض ما بين موقف سفيرها في بيروت أندري باران الذي كان من أول المرحبين بدعوة بري للحوار وبين ما صدر من باريس عن وزير الخارجية الفرنسي من مواقف، كما تلفت إلى وجود خلافات فرنسية ـ فرنسية بشأن السياسة الخارجية بين وزارة الخارجية والحلقة المحيطة بالرئيس الفرنسي نيقولا ساركوزي، وتذهب إلى حد القول ان الأخير ليس لديه سياسة خارجية. وحول قراءتها للموقف الفرنسي المستجد من الرئيس بري تكشف المصادر "أن باريس كانت تراهن على أن يمارس الرئيس بري دوراً وفق رزنامتها لكنها لم تفلح في ذلك فصدر الكلام ضده.
في كل الأحوال تؤكد مصادر الرئيس بري أن الأخير لن يخضع للابتزاز ولن تثنيه الهجمات التي يتعرض لها عن استكمال اتصالاته ومشاوراته من أجل انضاج الحل والذي يتركز على تحقيق حكومة شراكة وقانون انتخاب عادل على أساس القضاء وفق قانون الستين، وهو سيكمل جولته العربية للتداول بشأن حل الأزمة مع الدول التي لها تأثير على الساحة اللبنانية.
"تضعضع فريق السلطة"
في هذه الأثناء ظهر فريق السلطة مشتتاً في المواقف من مستقبل الأزمة وأخذت المواقف المتناقضة بين افرقائه تظهر إلى العلن من جديد، فالنائب سعد الحريري مرتاح إلى اقامته في السعودية إلى حين تكليفه بمهمة جديدة على الساحة اللبنانية، وبات يقلل من "زياراته إلى بيروت" عندما لا يكون مكلفاً بنقل تعليمة وكلمة سر، وعدم حصول ذلك منذ أكثر من شهر ونصف جعل بعض أفرقاء فريق السلطة في حالة ضياع، وبعضهم بدأ يتململ في أوساطه ومن بين هؤلاء رئيس حزب الكتائب أمين الجميل. فيما استمر التكتل الطرابلسي في ابداء تمايزه عن الآخرين، وجاء في هذا السياق موقفه المرحب بدعوة الرئيس بري للحوار، لكن المصدر ترصد موقف رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط الذي قرر اتخاذ وضعية الصامت في هذه المرحلة ولم يبادر إلى مهاجمة مبادرة الرئيس بري، بل أعطى ترحيباً خجولاً بها. وترى المصادر أن جنبلاط عاد ليلتقط إشارات جديدة مؤداها أن فريق السلطة قد يخسر مجدداً رهاناته التي كان وعده بها قبل أشهر أحد أبرز صقور المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية اليوت ابرامز ومساعد وزيرة الخارجية الأميركية وديفيد ولش، ومنها الرهان على المحكمة الدولية وأنها ستكون جاهزة قبل حزيران لاستخدامها سيفاً مسلطاً ضد المعارضة وسوريا، وهذا الرهان قد تبخر مع طلب رئيس لجنة التحقيق دانييل بلمار من مجلس الأمن التجديد لمهمته إلى ما بعد حزيران، وبذلك تبخرت رهانات جنبلاط عن قرب "تعليق المشانق" ورهانات رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع عن "صرير الاسنان" مع بدء عمل المحكمة.
وبكل الأحوال فإن المصادر المتابعة ترى أن الحل في لبنان لا زال بعيد المنال لأن الولايات المتحدة لم تقرر بعد أنه حان أوان التسوية.
هلال السلمان
الانتقاد/ العدد1262ـ 11 نيسان/ أبريل 2008