ارشيف من : 2005-2008

ذكرى الحرب الأهلية: أمهات ما زلن ينتظرن أولادهن

ذكرى الحرب الأهلية: أمهات ما زلن ينتظرن أولادهن

تستقبلك وفي عينيها بريق الانتظار الذي يلمع منذ 25 عاماً، والى جانبها صورة أقرب الى الشاب منه الى الفتى، نسأل عنه فتقول "انه ماهر، ابني ماهر قصير، كانت هذه الصورة آخر صورة له، كل شي عن ماهر بعدو عندي، بشوفو معي، بحكي معو".. نظرت الى الصورة وخاطبت ماهر "الله يرضى عليك وين ما تكون، حتى لو كنت عظام رح ضلّ ناطرتك".
33 عاماً مضت على انطلاقة الشرارة الأولى للحرب الأهلية اللبنانية في الثالث عشر من نيسان 1975، "شرارة" أطلقت حرباً عمت لبنان لخمسة عشر عاماً، كان نتيجتها أكثر من 150 ألف قتيل و17 ألف مفقود وتشريد مئات الآلاف من العائلات.
انطوى كتاب الحرب "رسمياً" لكن صفحة واحدة لا تزال العودة اليها ضرورة انسانية، على الأقل لكل أم.. ما زالت تنتظر أن يخرج ولدها من ملف المخطوفين والمفقودين، ليعود اليها.. أو لتقطع الشك باليقين فتعرف أنه ضمن الـ150 ألف قتيل.
ماهر قصير واحد من بين 17 ألف مفقود خطفتهم الحرب الأهلية اللبنانية، اختفى منذ اللحظة التي اقتحمت منزله ومنازل غيره في حي الجامعة بالقرب من حي السلم مجموعة من القوات اللبنانية متعاملة مع الجيش الاسرائيلي الذي كان يقترب من بيروت، منذ ذلك التاريخ في 17 حزيران 1982 اختفى ماهر ومثله عدنان وفؤاد ومحمد وغيرهم.
اليوم وبعد 18 سنة على انتهاء الحرب واهالي المفقودين لم ييأسوا  من العدالة المنشودة من دولة استولى على وزرائها ومقاعدها النيابية الخاطفون واصدروا عفواً عاماً دون اكتراث بإنسانية المطالبين بحق المعرفة، حق تخلى عنه كثيرون بدعوى أن الماضي مضى، وان كان السؤال: حقيقة المفقودين.
المحامي نزار صاغية، محام في لجنة الدفاع عن المفقودين يعتبر أن "ملف المخطوفين والمفقودين قضية سياسية وانسانية واجتماعية، وهو الإرث الأكبر والأخطر من ماض ما زال يجر أذيال غموضه نحو مستقبل مجهول نتيجة تهرّب المسؤولين من القيام بواجبهم، وهم الذين عادوا الى الواجهة السياسية غير آبهين بآلاف الأهالي الأحياء منهم الذين يعيشون على أمل بكشف الحقيقة".
 ولأن المعنيين اليوم يتناولون ويهتمون بقضايا البلد المصيرية، يسأل هؤلاء الأهالي عن هذا الملف الأسود، على لسان رئيسة لجنة أهالي المفقودين والمخطوفين في الحرب الأهلية وداد حلواني (زوجة المفقود عدنان حلواني الذي اختطف ظهر الرابع والعشرين من ايلول العام 1982): أليس هؤلاء المخطوفون وأهاليهم من البشر؟ أوليس لي ولكل أم الحق بمعرفة مصير ابنها وزوجها وأخيها؟
أوليس لنا الحق باستقبالهم أحياء أو رفاتاً ان كانوا أمواتاً؟
فتجيب السيدة مريم صعيدي والدة المفقود ماهر قصير: "ألا تعلمون أن أم المخطوف أو المفقود مهما اختلفت هويتها وعقيدتها وانتماءاتها، هي أم  يكفي انها موجودة تبحث تفتش تنادي وتطالب، وقضيتنا برغم تجاهلها وبرغم عدم الإلتفات اليها تبقى قضية انسانية دونما الحاجة الى طاولة مستديرة، ويكفي اننا كل الأهالي نعمل بيد واحدة من أجل ملاحقة ومعرفة الحقيقة التي نحن نريدها".
قضية المفقودين التي تتجدد في نيسان من كل عام لم تتصدر لوائح الإهتمامات الرسمية برغم المحطة القصيرة التي تقرب المسافة بين المقابر الجماعية والمفقودين، المقابر التي حرّكت آمال الأهالي مع امتدادها على مختلف الأراضي اللبنانية.
وفي السؤال عن اللجان التي تشكّلت لمعرفة مصير المفقودين يجيب صاغية: "فيما يخص اللجان فقد تشكلت اللجنة الاولى في عام 2000 في ظل حكومة الرئيس سليم الحص من مجموعة اشخاص أمنيين وصدر عنها تقرير رسمي يقول بوجود مقابر جماعية في كافة الاراضي اللبنانية مثل مقبرة مار متر وحرش بيروت وغيرها، والثانية في العام 2001 في ظل حكومة الرئيس رفيق الحريري، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم لا يزال الكلام عن مصير المفقودين حبراً أبيض على ورق أبيض.
أما عن حصيلة التحركات التي قام بها أهالي المفقودين فيمكن اختصارها بالتالي:
- الاعتراف بوجود مقابر جماعية موزعة على الأراضي اللبنانية.
- نبش هذه المقابر وإجراء فحوصات الحمض النووي.
وتقول حلواني إن "السعي نحو الحقيقة برغم كل الصعوبات، وبرغم عدم توافر إمكانيات مادية أو بشرية تدعم قضيتهم، وبرغم كل التحديات التي يمكن ان تؤخر هذا الملف وحتى لو لم يبق من المفقودين سوى صورهم، لن يتوقف ما دام هناك دمعة أم تنتظر عودة ابنها حتى لو كان مجرّد رفات، وما نحتاجه اليوم رجال دولة يتحملون مسؤولية فتح هذا الملف ويقفلونه بطريقة نهائية صحيحة، ولتؤكد هذه الصور التي تحمل اسماءً لمفقودين خُطفوا أن بناء المستقبل لا يستقيم بغير مداواة جراح الماضي، ماضي الحرب الاهلية الاليم".
 أمل شبيب
الانتقاد/ العدد1262 ـ 11 نيسان/ أبريل 2008

2008-04-10