ارشيف من : 2005-2008
بوش، عندما يصبح تهديداً للأصدقاء...
قمة الحلف الأطلسي التي انعقدت في العاصمة الرومانية بوخارست بين الثاني والرابع من نيسان/ أبريل الجاري، كانت إقراراً بالفشل في حربي العراق وأفغانستان اللتين تعنيانها بشكل مباشر، وإن لم يكن الحلف مشاركاً في الحرب على العراق. فقد شهدت الأسابيع التي سبقت انعقاد القمة نقاشات منها ما تمثل بإصدار كتب ونشر مقالات لخصت الأوضاع الجيوسياسية الدولية من زاوية الهواجس الغربية. فقد سمع كلام عن موت الشراكة الاميركية الاوروبية، وعن قرب الحلف الأطلسي من التفكك، وصولاً إلى الحديث عن الضياع الوجودي لأوروبا، وسط إحساس حادّ بأن الغرب يتعرض لتهديدات متصاعدة من خارج عالم الأطلسي. وللرد على هذه التهديدات، وفي أجواء الاقتناع بمأزق الأطلسي، ظهرت اقتراحات بإقامة اتحاد أوروبي ـ أميركي لإدارة الأمن العالمي، أو بتوسيع هذا الاتحاد ليشتمل على الحلف الأطلسي، مع النظر في إمكانية وضع استراتيجيات يدخل فيها الاستخدام الوقائي للسلاح النووي. لكن ما رشح عن القمة لم يتجاوز الحديث، في ظل العجز عن الحسم في أفغانستان والعراق، عن ضرورة توسيع مهام الحلف الأطلسي.
وجاءت مقررات القمة لتوضح المقصود بالتوسيع للمهام. فالولايات المتحدة كشفت عن نيتها إرسال قوات إضافية إلى أفغانستان خلال العام المقبل، ووزير الحرب الأميركي، روبرت غيتس، قال نقلاً عن الرئيس الأميركي، جورج بوش، بأن تلك القوات ستكون ضخمة من حيث العدد. مقابل هذا الوعد الأميركي المؤجل التنفيذ، أجبر الأميركيون عدداً من حلفائهم الأوروبيين على اتخاذ خطوات ميدانية معجلة التنفيذ يصار بموجبها إلى إرسال 2000 جندي إضافي، منهم 700 من فرنسا، و500 من جورجيا الطامحة لدخول الحلف، و400 من بولندا، و120 من تشيكيا، و45 من أذربيجان، في حين اقتصرت كل من إيطاليا ورومانيا واليونان على التعهد بإرسال بضع عشرات من الفنيين لتدريب قوات الجيش والشرطة الأفغانيين. والملاحظ، أن بريطانيا التي تحتل الموقع الثاني بعد الولايات المتحدة من حيث عدد القوات الموجودة في أفغانستان قد أعفيت من إرسال المزيد، شأنها شأن بلدان كهولندا والدانمارك، وأن اسم ألمانيا لم يرد على اللائحة حيث أنها تعارض فكرة إرسال المزيد من الجنود، بينما وقع العبء الأكبر من المساهمة على عاتق فرنسا ساركوزي الحريص، منذ ما قبل وصوله إلى الحكم، على تعزيز ارتباطاته بواشنطن. والملاحظ أيضاً أن روسيا قد عرضت المساهمة بتسهيل مرور المعدات غير الحربية، وفي رواية أخرى، بإرسال قوات روسية إلى بعض المناطق الأفغانية، ضمن إطار المساومات الجارية حول انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى الحلف الأطلسي، في حين أن تركيا، قد رفضت إرسال أية قوات. والمعروف أن الشهور والأسابيع الماضية قد شهدت احتقانات بين دول الأطلسي بخصوص الإسهام في حرب أفغانستان، وصلت إلى حد إطلاق تهديدات من كندا بالانسحاب من الحرب إذا لم يُصر إلى إقرار زيادات ملموسة في قوات سائر البلدان الأعضاء لمواجهة تصاعد الهجمات التي تشنها طالبان.
والنتيجة أن الـ47 ألف جندي العاملين في إطار القوة الدولية المجمعة من 40 بلداً سيصبحون 49 ألفاً بعد الوفاء بالالتزامات، وأن هذا العدد قد يشهد، وفقاً لما وعد به بوش، مزيداً من الارتفاع خلال العام القادم، أي بعد أن يكون بوش فد أخلى كرسيه في البيت الأبيض. والجدير بالذكر، أن "نزهة" الأطلسي في أفغانستان التي بدأت عام 2001، بنحو 20 ألف جندي، وجدت نفسها مضطرة، قبل عامين، إلى مضاعفة هذا العدد لأسباب مشابهة للأسباب التي يدور حولها الحديث الآن، بعد أن تبين أن النزهة قد تحولت إلى مأزق حقيقي حيث نجحت أفغانستان، البلد الضعيف والفقير في الصمود أمام 40 بلداً هي الأقوى والأعتى والأكثر غنى في العالم، لمدة باتت تزيد الآن عن سبعة أعوام. والأنكى، أنها تضع الحلف الأطلسي على حافة التفكك، وتجبره على اعتصار نفسه لإرسال 2000 جندي لن يفلحوا حيث أخفق عشرات الألوف من الجنود. ولا شك بأن قيادات الأطلسي تدرك هذا الواقع المر، ولكن جنون العظمة عند جورج بوش يمنعه من استيعاب الدرس ويدفعه، فيما يبدو، إلى الإمعان في الضغط على حلفائه على أمل تحويل كابوسه المرعب إلى حلم وردي. وسواء تعلق الأمر بأفغانستان، أو بالتوترات التي تثيرها واشنطن في أوروبا، مع مشروع الدرع الصاروخية، وقبلها مع فضيحة السجون السرية، وبعدها مع دفع الوضع في كوسوفو إلى حافة الهاوية، ومع الإلحاح على قبول ترشيح أوكرانيا وجورجيا لعضوية الحلف الأطلسي، فإن أعين الكثيرين في أوروبا قد بدأت بالتفتح لتقرأ في سلوكيات الفريق الأميركي الحاكم مسؤوليته عن واحدة من أسوأ الكوارث الجيوسياسية خلال السنوات الـ15 المنصرمة، ولتصل إلى استنتاج مفاده أن الإدارة الأميركية الحالية هي، قبل الإرهاب، وقبل الانتشار النووي، في طليعة الأخطار التي تهدد أوروبا. استنتاج يسحبه أميركيون كثيرون على أنفسهم عندما يقولون إن إدارتهم تشكل التهديد الأول للولايات المتحدة نفسها.
عقيل الشيخ حسين
الانتقاد/ العدد1262ـ 11 نيسان/ أبريل 2008