ارشيف من : 2005-2008

التيار الصدري: هناك نية حقيقية لإلغائنا

التيار الصدري: هناك نية حقيقية لإلغائنا

بغداد ـ عادل الجبوري
ربما لم يشهد المجلس السياسي للامن الوطني العراقي منذ تشكيله قبل ما يقارب عامين، توافقا في وجهات النظر بين مكوناته حول قضية سياسية ما مثل التوافق على حل الميليشيات المسلحة.
والقرارات التي خرج بها المجلس السياسي في اجتماعه الدوري يوم السبت الماضي، الخامس من شهر نيسان- ابريل الجاري كانت واضحة في دلالاتها ومؤشراتها، ولعل الشيء الاهم فيها والاكثر وضوحا تمثل بعدم السماح لمشاركة أي كيان سياسي في الانتخابات اذا كان يمتلك ميليشيات مسلحة ولم يبادر الى حلها والغائها، وهيمن مبدأ "لا حل الا بالحل" على مجمل الاجواء والمناخات السياسية العامة.  
وحده التيار الصدري تحفظ على ذلك القرار الذي لاقى قبولا وترحيبا من قبل التوافق والعراقية، فضلا عن كتلتي الائتلاف العراقي الموحد بزعامة السيد عبد العزيز الحكيم، والتحالف الوطني الكردستاني الذي يهيمن عليه الحزبان الكرديان الرئيسيان بزعامة كل من رئيس الجمهورية جلال الطالباني ورئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني، الى جانب كتل سياسية اخرى صغيرة في البرلمان ايدت تلك الفكرة لتخرج بصيغة قرار، مثل كتلة حزب الفضيلة الاسلامي الذي يتزعمه رجل الدين اية الله الشيخ محمد اليعقوبي، وكذلك كتلة المستقلين بزعامة نائب رئيس مجلس النواب العراقي الشيخ خالد العطية، وكتلة التضامن، والجزء الاكبر من اعضاء الكتلة العربية للحوار الوطني بزعامة النائب السني المنشق مع اعضاء اخرين من جبهة التوافق عبد مطلك الجبوري.
واللافت ان التيار الصدري لم يرفض قرار حل الميليشيات وانما تحفظ عليه، وطبيعي ان هناك فرقا غير قليل على ضوء الحسابات والمعايير السياسية بين الرفض والتحفظ.
خطوة التحفظ - وليس الرفض - جاءت منسجمة نوعا ما مع قرار زعيم التيار الصدري بإلغاء كافة المظاهر المسلحة، وعدم الاعتداء والتجاوز على مؤسسات الدولة ومنتسبيها ومكاتب الاحزاب، وايقاف الاعتقالات من دون اوامر قضائية، ذلك القرار الذي ساهم الى حد كبير في احتواء الموقف وتطويق الازمة في محافظة البصرة ومحافظات اخرى، والحؤول دون بلوغها مستويات خطيرة، او مثلما يقال وصولها الى "نقطة اللاعودة".
هذا من جانب، ومن جانب اخر انطوت خطوة التحفظ على اشارات سياسية ذات مغزى مهم مفادها ان  القضية قابلة للبحث والنقاش، فضلا عن ذلك فإن التيار الصدري لم يكن يريد ان يبدو وكأنه سائر في الاتجاه المعاكس تماما للاخرين. البعض وصف قرار التحفظ بأنه بمثابة "انحناء امام العاصفة" حتى تمر وتنجلي بأقل قدر من الخسائر، او بتعبير ادق لتجنب المزيد من الخسائر.
ربما كان الامر كذلك لمن يقرأ تداعيات وارهاصات الاحداث والوقائع على المشهد السياسي، بيد ان التيار الصدري لا يوافق على مثل هذه القراءة. قيادي بارز في التيار، طلب عدم الكشف عن هويته، رد بصورة مقتضبة على مجموعة اسئلة لـ"الانتقاد" حول مجمل الاحداث الاخيرة، وقرار ربط حل الميليشيات بالمشاركة في الانتخابات والعملية السياسية، بالقول "لا ننكر وجود اخطاء وتجاوزات في داخل التيار الصدري ككيان سياسي وفي داخل جيش المهدي، وهذا امر يصدق على كل الاحزاب والكيانات والقوى السياسية، ومن غير المنطقي حصره في التيار الصدري وجيش المهدي، ولكن لا يمكن للمتابع لسياقات الاحداث الا ان يستنتج وجود اجندة سياسية تحظى بقبول وتأييد وحماسة، بعضه داخلي وبعضه خارجي لتحجيم - ان لم يكن انهاء التيار الصدري- سياسيا، وقد رأينا ان الولايات المتحدة اظهرت تأييدا كبيرا لرئيس الوزراء نوري المالكي حينما ذهب الى البصرة واشرف على العمليات العسكرية بنفسه هناك، واختفت الانتقادات التي كانت توجه اليه باستمرار من مراكز القرار السياسي المختلفة في واشنطن".
وعن الحل والمخرج العملي للأزمة يؤكد القيادي الصدري "ان تصحيح الاخطاء ومعالجة السلبيات داخل التيار الصدري امر مهم ولا بد منه، وقرار السيد مقتدى الصدر المتضمن تسعة بنود، يمثل خطوة اساسية بهذا الاتجاه، بيد ان جانبا من المشكلة يكمن - في تقديرنا- بوجود نية حقيقية لالغائنا والشطب علينا بالكامل، وحتى قرار المجلس السياسي للامن الوطني هو في الواقع موجه ضدنا، لان الاحزاب المتحكمة بمقاليد الامور مثل المجلس الاعلى الاسلامي العراقي والحزبين الكرديين الكبيرين وحزب الدعوة الاسلامية بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي يمتلكون ميليشيات مسلحة، وعناصر هذه المليشيات تمسك بالمفاصل المهمة والحيوية في وزارات الداخلية والدفاع والامن الوطني ومؤسسات حكومية اخرى مهمة، ويوجد توافق وتفاهم على نطاق واسع فيما بينها".
وربما كان الدور الاميركي مساهما في تقرير وجهة ومسار الاحداث وتحديد الاولويات، واغلب الظن ان القول "بأن واشنطن تفاجأت بعمليات البصرة"، او – كما قال قائد القوات الاميركية في العراق الجنرال ديفيد يترايوس في تقريره المشترك مع السفير رايان كروكر- "بأن واشنطن علمت بقرار الحكومة بشأن البصرة قبل ثلاثة ايام فقط"، غير دقيق.
فلا شك ان الجنرال بترايوس وزميله السفير كروكر ارادا ان يقدما تقريرا عن العراق الى الكونجرس يعود بالمكاسب السياسية على الرئيس جورج بوش وادارته والحزب الجمهوري، وكان لا بد الى جانب الحديث عن جوانب الاخفاق والمشكلات الامنية والسياسية والعسكرية في العراق، ان يكون هناك حديث عن انجازات ومكاسب، وهنا فإن عمليات البصرة والحراك السياسي الذي اوجدته كانت ضرورية للغاية حتى تكتمل صورة التقرير وتتكامل خطوطها ومعالمها وملامحها والوانها حتى لا تبدو قاتمة وتغلق الابواب امام طلبات التخصيصات المالية للقوات في العراق، وامام تمديد بقائها، وامام تقديم المزيد من الدعم والاسناد للحكومة العراقية، ولو كانت الحكومة قد توجهت الى الموصل بدلا من البصرة لكانت الصورة مختلفة سياسيا عن صورة الواقع الحالي بالكامل.
الانتقاد/ العدد1262 ـ 11 نيسان/ أبريل 2008

2008-04-10