ارشيف من : 2005-2008
أزمة اقتصادية عالمية وحلول مأزومة!
شبح الأزمة الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية "الكارثية" يخيم بظلاله الثقيلة على العالم. ذلك ما يستخلص من البيان الختامي الصادر عن الاجتماع الأخير لوزراء مالية البلدان الصناعية السبعة الذي انعقد الأسبوع الماضي في واشنطن، ومن تقارير صندوق النقد الدولي وملاحظاته الإرشادية، مروراً بتشخيصات ما لا يحصى من المنظمات والهيئات المختصة.
والمشكلة ملموسة بكل حدتها في الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الأساسية والغذائية بوجه خاص. وأينما اتجه البحث عن الأسباب، نجد الاقتصاد الأميركي في أول اللائحة. إنه الركود الذي يضرب الاقتصاد الأميركي منذ أشهر والذي سيستمر، متفاقماً، خلال العامين القادمين، على ما يقوله صندوق النقد، وتوترات الأسواق المالية والتأرجح في أسعار العملات الأساسية، وفق ما جاء في بيان وزراء مالية الكبار. "عملات أساسية" لأن مصدري البيان لا يجرؤون على ذكر اسم الدولار الأميركي بوصفه العملة الوحيدة التي تشهد أسعارها تدنياً مطرداً بالتوازي مع تصاعد الهوس الحربي في البيت الأبيض والبنتاغون والدوائر المرتبطة.
وعدم الجرأة هنا، يتحول إلى شجاعة لافتة عندما يتعلق الأمر باليوآن الصيني الذي حمله البيان قسطاً كبيراً من المسؤولية لجهة عدم تقويمه وما يسمح به ذلك من إغراق الأسواق بسلع صينية متدنية الأسعار، أو بارتفاع أسعار النفط وتجريم الدول المصدرة دون الإشارة إلى أن الحصة الأكبر من الأرباح تذهب إلى جيوب تجار النفط الأميركيين. وبالطبع، فإن تسييس المشكلة قائم على معيار الكيل بمكيالين، فإن أحداً لا يشير إلى صلة الأزمة بحروب أميركا، أو بكلام آخر، إلى أن أميركا تجبر العالم على دفع تكاليف حروبها عبر رفع أسعار المواد الأساسية، من المحروقات إلى الخبز وغيره، عبر ألعاب مالية يقر بيان السبعة الكبار بعدم سهولة "مقروئيتها". وللتوضيح، فإن الألف مليار دولار التي ستسجل خلال العام الحالي تحت اسم "خسائر البنوك"، وفق توقعات صندوق النقد، ما هي إلا أرباح "مارقة" أو مسروقات لا يعلم شيء عن الجنائن المالية التي ستستقر فيها غير أصحاب اليد الخفية الممسكة بخناق الاقتصاد العالمي. وإذا كان السبعة الكبار قد منحوا المصارف المركزية مهلة مئة يوم لتحديد أسباب الأزمة المرتبطة بما ستتعرض له من خسائر "مربحة"، فإن هذه الأيام المئة ستكون، وفقاً للموسم الراهن وللتوقعات المنطقية فاتحة لأيام سوداء يتخبط في ظلمتها فقراء العالم، أي أكثرية سكان الكوكب.
واحد من الذين أطلقوا صيحة الإنذار هذه هو المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، السنغالي عبدو ضيوف: مطلوب من قادة العالم أن يتخذوا إجراءات جذرية إذا شاؤوا كبح جماح الانتفاضات المرتبطة بارتفاع أسعار المواد الغذائية في العالم، وهو الارتفاع الذي يكتوي بناره فقراء العالم في نهاية المطاف، لأن الفقراء يصرفون ما بين 50 و60 بالمئة من مداخيلهم على الغذاء، بينما تتدنى هذه النسبة إلى ما يتراوح بين 10 و20 بالمئة من المداخيل في عالم الأغنياء. و37 بلداً، كلها من البلدان الفقيرة، تعصف فيها الآن رياح الجوع في ظل ندرة الخبز وغيره من الأغذية الأساسية. فالأرز ارتفعت أسعاره بنسبة 40 بالمئة خلال ثلاثة أيام، والقمح انخفض مخزونه، بالتوازي مع تضاعف أسعاره، إلى أدنى مستوى منذ 25 عاماً، وهو سيواصل الانخفاض في العام 2008 بنسبة 5 بالمئة عما كان عليه في العام 2007. ونسبة الزيادة المسجلة في أسعار المواد الغذائية عموماً تصل إلى 5 بالمئة.
الأسباب "الرسمية" التي يذكرها عبدو ضيوف تتراوح بين المضاربة في بورصة الحبوب، ومشكلة المناخ، واستخدام مساحات متزايدة من الأراضي لإنتاج الحبوب المستعملة في إنتاج بدائل عن النفط، وخفض بعض البلدان كالهند وفييتنام لصادراتها من الأرز، وتزايد الطلب على اللحوم في الصين، الخ. أسباب لا تتعدى ظواهر المشكلة، كما هو واضح، ولا تنفذ إلى أسبابها العميقة ذات الصلة بالتدمير المبرمج للقطاعات المنتجة خلال العقود الأخيرة في ظل الـ"إصلاحات" المفروضة من قبل المؤسسات المالية العالمية. أما الحلول المقترحة فهي من النوع المسموح به من قبل المؤسسات نفسها: التصدير المكثف للبذار والأسمدة والأعلاف، والخبرة من البلدان الغنية إلى البلدان الفقيرة "بأسعار معقولة"، ما يعني تأبيد المشكلة ودفعها إلى المزيد من التفاقم...
وبالمناسبة، يستغرب ضيوف عدم توجيه الدعوة إليه من مجلس الأمن، حيث تعالج مشكلات كثيرة أقل ارتباطاً بقضايا السلام والأمن وحقوق الإنسان من القضية المتمثلة بأزمة الغذاء. والأكيد أنه محق في حديثه عن خطورة المشكلة، وعن الانتفاضات التي تنجم وستنجم عن استفحال المشكلة، وعن ضرورة النظر فيها. ولكن هل مجلس الأمن هو الجهة التي تصح المراهنة عليها لإيجاد الحل؟ مجلس الأمن هو الدول الصناعية ومنظمة التجارة العالمية وتشريعات البنك الدولي ومجمل السياسات التي طبخت المشكلة... وفي طليعتها تلك التي زجت سكان الكوكب بالإكراه أو بالغواية في طاحونة الاستهلاك واللهث وراء نمط العيش الأميركي. المطلوب لحل المشكلة هو نمط عيش غير أميركي.
عقيل الشيخ حسين
الانتقاد/ العدد1263 ـ 18 نيسان/ أبريل 2008