ارشيف من : 2005-2008
زيمبابوي بين عجز النظام وضخامة الهجمة الغربية
زيمبابوي بلد إفريقي يمتلك ثروات طبيعية هائلة، لكنه كغيره من بلدان إفريقيا خضع للاستعمار الغربي وتميز مع بلدان أخرى، في طليعتها جارته إفريقيا الجنوبية، بالطبيعة الاستيطانية لهذا الاستعمار، وبالتمييز العنصري بين السكان السود والأقلية البيضاء الحاكمة أو المالكة لثروات البلد. قبل أن يصبح زيمبابوي، بعد تنحية الأقلية البيضاء، كان البلد قد عمد من قبل البيض باسم روديسيا الجنوبية، بعد فصله - بحدود من النوع المعروف الذي تضعه القوى الاستعمارية- عن روديسيا الشمالية التي تعرف اليوم باسم زامبيا. ومنذ وصول ألبرت موغابي إلى الحكم، عام 1980، في أعقاب سنوات من الاضطراب الذي أفضى إلى وضع حد للحكم العنصري، يعاني البلد من أزمات مستفحلة قد يكون سوء الإدارة في طليعة أسبابها. لكن السبب الأساسي يظل متمثلاً في عجز النظام الحاكم عن إدارة وضع موروث عن قرون من الاستعمار البريطاني وعقود من تحكم الأقلية العنصرية البيضاء بمقدرات البلد. رحيل قسم كبير من البيض آخذين معهم ما خف حمله وغلا ثمنه عنصر أساسي من عناصر الأزمة. والإصلاح الزراعي الذي قاده موغابي والذي شكلت مصادرة الملكيات الكبرى العائدة للبيض أبرز معالمه، لم يفلح في حل المشكلة الاجتماعية. تضخم وبطالة وفقر، إضافة بالطبع إلى الديكتاتورية التي يشهّر بها الغرب لا لديكتاتوريتها، بل بسبب التفلت السياسي لنظام موغابي من القواعد المفروضة، غربياً، على "الديموقراطيات" الإفريقية التي لا تقل تضخماً وبطالة وفقراً عن زيمبابوي الديكتاتورية.
الجديد في مشكلة زيمبابوي، وسط الحملات الإعلامية والضغوط الغربية التي تمارس عليه منذ الثمانينات، هو دخول البلد في اللعبة الديموقراطية. فقد أسفرت الانتخابات التي جرت في 29 آذار/ مارس الماضي عن فوز حركة التغيير الديموقراطي التي يقودها مورغان تسافانجيراى بأغلبية ضئيلة في مقاعد البرلمان، وعن لغط فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية. معلومات صدرت عن جهات مسؤولة أفادت بأن النتائج غير حاسمة وأن من الضروري إجراء دورة انتخابية ثانية. من جهتها، تقول المعارضة انها قد فازت في الانتخابات وإن على موغابي أن يتنحى عن الحكم. وآخر التطورات الداخلية يتمثل بقرار صدر عن المحكمة العليا يقضي بعدم السماح بإعلان نتائج الانتخابات. وقد ردت المعارضة بالدعوة إلى الإضراب المفتوح حتى إعلان النتائج. وكانت بعض التجمعات قد سجلت في مناطق عدة من العاصمة هيراري بين مؤيد ومعارض، ومهدت لقرار حكومي بمنع التجمعات وبنشر شرطة مكافحة الشغب في تلك المناطق، مع أخبار أفادت بوقوع حوادث عنف وظهور أعداد من المحاربين القدامى والميليشيات المؤيدة للنظام في أنحاء مختلفة من البلاد، وسط أجواء تنذر بتدهور الوضع واتجاهه نحو حرب أهلية.
إقليمياً، تنادت دول الجوار وهي 14 بلداً تشكل "مجموعة التنمية في إفريقيا الجنوبية" لعقد قمة في لوساكا، عاصمة زامبيا للنظر في حل لمشكلة زيمبابوي. لكن موغابي لم يحضر القمة لسبب عدم التشاور مع زيمبابوي مسبقاً، وإن كان قد أرسل أربعة وزراء للمشاركة في الاجتماعات، إلى جانب مورغان تسافانجيراي الذي تكلم أمام القمة في مخالفة أخرى للأصول التي لا تعطي حق المشاركة لغير رؤساء الدول. وقد سلطت الأضواء على مقابلة تمت بين تسافينجاراي ورئيس المؤتمر الوطني الحاكم في إفريقيا الجنوبية، جاكوب زوما الذي تربطه علاقة متوترة مع الرئيس تابو مبيكي المعروف بمواقفه "غير الواضحة" تجاه موغابي. والظاهر أن تابو مبيكي الذي تعاني بلاده، شأن زيمبابوي المجاورة، من استمرار نفوذ الأقلية البيضاء، ينظر بعين التعاطف إلى نظام موغابي المستهدف من تلك الأقلية ومن الأسرة الدولية الخاضعة لسياسات المستعمرين السابقين. ويفيد المراقبون بأن قمة لوساكا، حيث تتمتع إفريقيا الجنوبية بموقع وازن لن تتخذ إجراءات ملموسة ضد هراري بداعي المحافظة على التضامن الإقليمي، أي بداعي المحافظة على استقرار إقليمي فوق واقعي يعج بركام من المشكلات المتوارثة عن النظام الاستعماري وفشل البلدان المستقلة التي تخلصت من ربقة الاستعمار التقليدي لتجد نفسها، في ظل فساد الأنظمة وتواطئها، أسيرة أشكال جديدة من الاستعمار الأكثر تطوراً والأطول باعاً.
أما على المستوى الدولي، فقد انهالت على نظام موغابي سيول من الاحتجاجات والإدانات. أول المعنيين، رئيس وزراء بريطانيا، غوردون براون، طالب بإعلان نتائج الانتخابات وأعرب عن نفاد صبر الأسرة الدولية إزاء نظام موغابي. الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، شين ماكورماك، دعا من جهته قادة بلدان إفريقيا الجنوبية إلى اتخاذ موقف حازم لمصلحة الديموقراطية في زيمبابوي. ومواقف مشابهة صدرت عن منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش، وعن الأساقفة الانكليكانيين في تسعة بلدان إفريقية، وعن حكومات ومنظمات غير حكومية أخرى. ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه بحدة: ما هو السر في إقبال شرائح واسعة من شعوب البلدان المستعمرة سابقاً إلى التصويت لأحزاب وشخصيات سياسية مرتبطة بالقوى الاستعمارية؟ فشل الأنظمة وتراكم المشكلات وسطوة أشكال التأثير والتلاعب من قبل الجهات المهيمنة عالميا.
ع.ح.
الانتقاد/ العدد1263 ـ 18 نيسان/ أبريل 2008