ارشيف من : 2005-2008
اجتماع دمشق: سعي لتفعيل الحضور العربي في العراق ووضع النقاط على الحروف
بغداد ـ عادل الجبوري
انطلاقا من اربعة امور، بدا ان الاجتماع الثاني للجنة التنسيق والتعاون الامني لدول جوار العراق الذي عقد في العاصمة السورية في الثالث عشر من شهر نيسان/ ابريل الجاري، حظي بأهمية استثنائية.
الامر الاول انه جاء على خلفية احداث حرجة وحساسة وخطيرة في العراق كان ميدانها الرئيسي مدينة البصرة التي تعد واحدة من اهم مدن العراق، من حيث موقعها الجغرافي وثرواتها ومواردها النفطية والطبيعية الاخرى.
والامر الثاني، ان هذا الاجتماع كان بمثابة التحضير والتهيئة واعداد اوراق العمل ـ الامنية بالدرجة الاساس ـ للاجتماع الوزاري لدول الجوار العراقي المزمع عقده في دولة الكويت في الثاني والعشرين من الشهر الجاري، أي في يوم الثلاثاء المقبل.
والامر الثالث، ان سوريا المتهمة دائما مع ايران بدعم "الارهاب" واثارة العنف في العراق هي التي استضافت الاجتماع.
والامر الرابع، طبيعة ونوعية الحضور، فإلى جانب ممثلي دول جوار العراق الخمس، ومصر والبحرين، حضر ممثلون عن منظمة الامم المتحدة ومنظمة المؤتمر الاسلامي وجامعة الدول العربية، والدول الصناعية الثماني المعروفة بمجموعة (G8) ومن بينها الولايات المتحدة الاميركية، والاتحاد الاوروبي.
العراقيون من اصحاب القرار السياسي، والمعنيين بإدارة امور السياسة الخارجية والشؤون الامنية، بدوا مهتمين باجتماع دمشق بدرجة ربما تفوق اهتمامهم باجتماعات لجان اخرى انبثقت عن المؤتمر الوزاري الاول لوزراء خارجية دول الجوار العراقي في منتجع شرم الشيخ بمصر في شهر ايار/ مايو من العام الماضي.
وما بين الاجتماع الاول للجنة الذي عقد في شهر اب/ اغسطس الماضي واجتماع دمشق الاخير حصلت متغيرات مهمة يعتد بها على الصعيد الامني في العراق، وكان لسوريا ودول اخرى دور فيها، وقد اشار الى ذلك رئيس الوفد العراقي، وكيل وزارة الخارجية العراقية لشؤون التخطيط السياسي والعلاقات الثنائية لبيد عباوي في كلمته بالاجتماع بقوله: "حصل انخفاض ملحوظ في مستوى التحريض الاعلامي والسياسي على الارهاب في العراق وانخفض لدرجة كبيرة التحريض من المنابر الدينية وفتاوى التكفير التي كانت تصدرها بعض الجماعات الدينية المتطرفة في بعض دول الجوار، وكذلك فإن نسبة تسلل الارهابيين الى داخل العراق انخفضت الى اكثر من النصف عن العام الماضي، وكذلك بالنسبة الى تهريب الاسلحة والمخدرات".
بيد ان الشق الاخر في حديث عباوي تضمن اتهامات مبطنة لدول - او بعض دول- الجوار بدعمها للجماعات الارهابية تسليحيا وماليا وفنيا، اذ قال "ان التدخلات الاقليمية لدول الجوار في الشأن الداخلي العراقي تستمر وتتخذ اشكالا عدة مباشرة وغير مباشرة ووفق اجندات تتعارض كليا مع وحدة العراق وامنه وسلامة اراضيه، وتتعدى ذلك الى حد التخريب والتحريض على تفكيك اواصر المجتمع العراقي".
وبما ان رئيس الوفد العراقي اشار في حديثه بشكل او بآخر الى الاحداث الاخيرة في مدينة البصرة ومدن اخرى، فإن اعضاء الوفود الاخرى والمراقبين السياسيين اعتبروا ان كلامه واتهاماته بالتدخل وتمويل الجماعات الارهابية موجه بالدرجة الاساس لايران، باعتبار انها الطرف الداعم - افتراضيا- لميليشيات جيش المهدي، الجناح العسكري للتيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر، لذلك بدا على بعض الاطراف التي لا تربطها بطهران علاقات طيبة، نوع من الارتياح لذلك التوجه، الامر الذي دفع رئيس الوفد الايراني، مسؤول دائرة الخليج في وزارة الخارجية الايرانية السفير محمد جلال فيروزنيا الى نفي ان يكون الجانب العراقي قد وجه اتهامات الى ايران بلعب دور سلبي في احداث البصرة الاخيرة، قائلا "لم تطرح هذه الاتهامات في الاجتماع، وعلى العكس اكد اصدقاؤنا العراقيون على متانة العلاقات بين بلدينا، وسنواصل علاقتنا مع الحكومة العراقية في اطار هذا التعاون".
وواضح ان ما أراده العراق من كل المؤتمرات والاجتماعات السابقة لدول الجوار، وعلى مختلف المستويات، وما يريده باستمرار، هو قيام دول الجوار والاطراف الاقليمية ذات الشأن والتأثير بالمساعدة في معالجة الاوضاع الامنية المضطربة والمرتبكة في العراق، عبر تبني اجراءات سياسية واعلامية وامنية من شأنها المساهمة في تحقيق ذلك الهدف. الى جانب الحؤول دون جعل العراق ساحة لتصفية الحسابات بين اطراف تتقاطع مصالحها وتتناقض اجنداتها، وبالتالي يكون ميدانا لحروب وصراعات تتخذ اشكالا ومظاهر وعناوين مختلفة تستنزف امكانياته وموارده، وتسلبه سيادته واستقلاله، وتجرده من اية قدرة على الفعل والتأثير والحضور الايجابي عربيا واقليميا ودوليا.
وفي الاطار العام نجح العراقيون في ذلك بمستوى مقبول ومعقول، عبر تبني سياسة خارجية عقلانية من جهة، وطرح الامور والاشكاليات والملاحظات بشفافية ووضوح وصراحة وبأسلوب هادىء مع كل الاطراف خلف الكواليس وبعيدا عن اجواء ومناخات التصعيد عبر وسائل الاعلام والمنابر السياسية، ومن خلال تجاوب وتفهم تفاوت في مداه من طرف الى اخر من الاطراف المعنية.
ومثلما يشار بالارقام والمعطيات الدقيقة الى انخفاض اعداد المقاتلين الاجانب الذين يتدفقون الى العراق عبر حدود بعض الدول المجاورة، وانحسار جانب غير قليل من حملات التحريض الديني المرتبطة بأجندات سياسية، و"تجفيف" جزء غير قليل من منابع ومصادر تمويل "الارهاب" في العراق في دول عديدة، فإن مثل تلك التحولات والمتغيرات الايجابية ما كان لها ان تتحقق لولا اللقاءات والاجتماعات والمؤتمرات المشتركة، ولولا القراءات الواقعية للاطراف المعنية عن حقيقة ودوافع واجندات الجماعات الارهابية التي تتعدى جغرافية العراق وتتجاوز حدوده، ولولا المراجعات السليمة والموضوعية لواقع الحضور العربي والاقليمي الضعيف وغير الفعال في العراق لمصلحة حضور اجنبي- يطلق عليه من قبل معظم الاعلام العربي ومؤسسات القرار السياسي بالاحتلال- يحمل مخاطر مستقبلية على مجمل الوضع الاقليمي والعربي.
في مقابل ذلك فإن ما يدفع الى القلق في معظم الاوساط والمحافل السياسية والشعبية العراقية، وهو قلق لم يعد خافيا ومستترا، ان الاتجاهات والمواقف المعلنة لبعض الاطراف غالبا ما تتقاطع مع التوجهات والتحركات غير المعلنة.
وفي اجتماع دمشق قال وكيل وزير الداخلية العراقي اللواء علي حسين كمال بشأن احداث البصرة "كنا واضحين وصريحين في طرح موضوع ما يجري بالبصرة، لم نذكر اسماء دول، لكننا قلنا ان هناك اسلحة تدخل الى البصرة، فالحدود مفتوحة ولا توجد سيطرة كاملة عليها، وهناك جماعات متعاونة مع جهات اقليمية وهناك اموال تعينهم على ذلك".
اضف الى ذلك فإن مصادر من داخل اروقة اجتماع دمشق اكدت ان الوفد العراقي أطلع رؤساء وفود مشاركة على وثائق تؤكد وجود ضباط وعناصر مخابرات من تلك الدول في جنوب العراق، وقيامها بتحركات لخلط الاوراق واشعال صراع هناك لاضعاف الحكومة من خلال اقحامها في دوامة مواجهات مع جهات خارجة عن القانون.
واكثر من ذلك يؤكد سياسيون عراقيون ان مسؤولين كبارا في اجهزة مخابرات عربية اتصلوا بمسؤولين عراقيين كبار معنيين بالملفات الامنية وطلبوا منهم تخفيف الضغط والتعاطي بمرونة مع بعض الجماعات والجهات في البصرة، باعتبارها جهات وطنية!.
وفي كل الاحوال يعد تنضيج الرؤى والتصورات، وتشخيص المواقف بدرجة اكثر دقة من خلال اجتماع دمشق، بمثابة تهيئة الارضيات المناسبة، والاجواء والمناخات السياسية الملائمة، للخروج بنتائج عملية وبناءة ومرضية من الاجتماع الوزاري المرتقب في الكويت الاسبوع المقبل.
الانتقاد/ العدد1263 ـ 18 نيسان/ أبريل 2008