ارشيف من : 2005-2008

انسداد الأفق الأميركي واحتمالات حلول لا جدوى منها

انسداد الأفق الأميركي واحتمالات حلول لا جدوى منها

على الارجح فان اي ادارة اميركية لم تواجه ازمة خيارات في سياستها الخارجية كما يحصل مع ادارة جورج بوش الحالية، خصوصا في الملفات الاكثر حساسية والاكثر خطورة وتاثيراً على مصالح الولايات المتحدة في مناطق انتشار نفوذها وهيمنتها.
ويبدو ذلك واضحا من الارباك الذي تعبر عنه في طريقة تصرفها وتصريحاتها التي تملأ وسائل الاعلام العالمية يومياً دون ان يكون هناك اي خطوات عملية يمكن ان تفيد بوش وفريقه من المحافظين الجدد في الثمانية اشهر المتبقية على ولايتهم في البيت الابيض.
ومع ان هذا الركود التنفيذي ينطوي على قدر من المخاطر باعتبار ان صناع القرار عادة ما يشتغلون خلف الضوضاء التي يثيرونها وفق ادارة منظمة لابعاد الضغوط عنهم والاحتفاظ بعنصر المفاجأة، فان استعراض الاحتمالات الممكن ان يلجأوا اليها في اكثر من ملف تبدو في احسن حال غير ذات جدوى.
واذا كان بوش مجبراً بين خيارين: اما اللجوء الى تسويات كبرى يقايض فيها بين الملفات المترابطة في الشرق الاوسط ليضحي ببعضها مقابل اخراج بلاده من اخطر ازمة تواجهه وتتمثل باحتلال العراق، والذي يهدد استمرار الغرق بوحوله بالنيل من قوة واشنطن كدولة عظمى تصبح غير مهابة؛ واما الاندفاع نحو خيارات جنونية وشن حرب جديدة تقطع كل التقديرات التي وضعتها مختلف الاجهزة الاميركية المختصة، الرسمية وغير الرسمية، والتي لم تنصح ابداً باللعب مع ايران عبر الاعتداء عليها، لان ذلك سيفتح ابواب جهنم على الولايات المتحدة وسيدخلها في كارثة لن تعرف كيف تخرج منها.
وفي هذا السياق جاء كلام جورج بوش الاخير الذي نفى فيه عزمه الهجوم على ايران لكنه كرر استخدام لازمته  ـ غير ذات القيمة ـ من انه يحتفظ بكل الخيارات لمواجهة الخطر الايراني، برغم ان بوش وضع ايران وتنظيم "القاعدة" كاخطر تهديدين يواجهان بلاده في القرن الحالي، وبالتالي لا بد من معالجتهما، مستحضرا كالعادة الخيار الديبلوماسي. وهو طبعاً حدد العراق ساحة الاحتكاك الرئيس الأكثر قساوة مع هذين التهديدين، وان كانت ايران بنفوذها المتزايد في العراق قد وسعت الفارق الكبير بين حجم ما تشكله من خطر بالنسبة لبوش وما تشكله "القاعدة"، حيث يعتبر بعض الخبراء ان سياسات بوش الكارثية جعلت من العراق ثقبا استراتيجيا اسود يستنزف الموارد العسكرية ونفوذ واشنطن السياسي كما يوسع في آن واحد تفوق ايران لدى جيرانها.
 وزير الحرب الاميركي روبرت غيتس يستبعد بدوره المواجهة مع الجمهورية الاسلامية معتبراً ان فرص حدوث ذلك منخفضة للغاية، وذلك في معرض تعقيبه على تصريحات مستشار سابق للامن القومي في عهد الرئيس جيمي كارتر اعتبر انه كلما استمر الوجود الاميركي في العراق ازداد خطر المواجهة المباشرة مع ايران،
وقد كان لافتا اطلاق سيل من التصريحات عن حجم الضرر الاميركي من الاشتغال الايراني على الساحة العراقية، بحيث بدا لبعض الخبراء ان بوش  يحول هذا التهديد ليصبح الذريعة الاساسية لمتابعة حربه في العراق بعدما انتهى امر صدام حسين وضعف تنظيم القاعدة الى حد كبير.
وبالتأكيد اثار تصنيف بوش فضول المحللين ليعاودوا طرح السؤال عما اذا كان سيلجأ الى القوة ضد الجمهورية الاسلامية بعدما بات يعلق عليها كل خسائره في هذا البلد، وخصوصا ارتفاع عدد القتلى الاميركيين منذ الغزو ليتجاوز في ذكراه الخامسة الاربعة آلاف عسكري اميركي، ليصبح الحديث الاميركي اليومي هو عن علاقة ايران بالمجموعات العراقية المقاومة التي تنفذ عمليات ضد قوات الاحتلال يستخدمون فيها عبوات متطورة واسلحة حصلوا عليها منها ودربتهم على استخدامها، وفق ما ظهر في عدد لا بأس به من التصريحات والبيانات الاميركية الرسمية، ومنها تصريح لغيتس قال فيه ان كميات الاسلحة التي تزود بها ايران متمردين في العراق قد زادت. كما شاطره الرأي رئيس اركان الجيوش الاميركية الاميرال مايكل مولين بقوله لدينا الانطباع بان ثمة زيادة، موضحا انه جرى خلال عدة اشهر مناقشة احتمال ان يخفف الايرانيون جهودهم في دعم "المتمردين" في العراق، لكن ما حصل في البصرة اقنعنا ان الامر ليس كذلك حسب قوله، الى حد ان السفير الاميركي في بغداد راين كروكر وصف ما يجري بالقول ان الايرانيين يخوضون حربا "بالوكالة" مع الاميركيين في العراق، ولذلك بدأت الادارة الاميركية عملية اعادة تقويم واسعة لانشطة ايران ونواياها وكذلك لطريقة مواجهتها على ما اوردت صحيفة واشنطن بوست.
وبحسب تشخيص  الجنرال ديفيد بترايوس قائد القوات الاميركية في العراق فان ايران تضطلع بدور "مدمر" في هذا البلد من خلال تدريب "ميليشيات شيعية" عراقية وتسليحها وتمويلها، الامر الذي ترد عليه طهران كالعادة باعتباره عملية هروب الى الامام تعلق فيها واشنطن اخفاقاتها على الاخرين.
واذ كان الرئيس بوش يريد من استراتيجيته الجديدة في هذا البلد ان يوجه ضربة تاريخية للحرب الارهابية ونكسة قاسية لايران، فان فرص نجاحه تبدو ضئيلة ان لم تكن معدومة، وان كان قرر وقف عملية تخفيض القوات في تموز/ يوليو القادم، واكتفى بتخفيض مدة خدمة الجنود من 15 شهرا الى 12 شهرا مع اغراءات للراحة كل عام لامتصاص نقمة الشارع الاميركي الذي يرفض اثنين من كل ثلاثة ما ورطهم فيه هذا الرجل من حرب لم تجر عليهم حتى الان سوى الويلات.
وبمعزل عن مدى دقة الكلام الاميركي عن النفوذ الايراني في العراق فان التركيز على ذلك قد يبدو محاولة لتبرير عمل ما ضد طهران باعتبار ان الملف النووي لا يمثل قوة قانونية تتيح له تكرار غزو العراق متذرعا باسلحة دمار شامل لم يعثر على اثر لها بعد الغزو. كما ان اخفاق خيار العقوبات التدريجية يدفع نحو التساؤل عن البديل حيث ان القيادة الايرانية تتعامل باستخفاف ولا مبالاة كبيرين ازاء نظام العقوبات، وتواصل تفعيل برنامجها النووي بحيث اعلن الرئيس احمدي نجاد تركيب ستة آلاف جهاز طرد مركزي جديد في منشأة نتانز، مثيرا عاصفة من الانتقادات الاميركية وغير الاميركية وتهويلا بتشديد العقوبات وعقدا لاجتماع سداسي في شنغهاي على مستوى المدراء السياسيين في وزارات خارجية الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا الصين والمانيا، فشل حتى في اجراء مقاربة موحدة لكيفية التعامل مع السلوك الايراني، وبالتالي قرروا الاكتفاء بما حصل حتى الان من قرارات لمجلس الامن الدولي غير ذات جدوى لتذهب التصريحات العنترية التي صدرت من واشنطن وباريس ادراج الرياح.
على اي حال فان حجم انسداد الافق الاميركي تائه بين تسريبات عن مفاوضات سرية يجرونها مع الايرانيين بشأن الملف النووي سرعان ما ينفونها، وبين طلب لاستئناف المحادثات معهم بشأن العراق تقدموا به عبر الطرف السويسري، لتبقى الاشهر القليلة المتبقية محفوفة بخطر المغامرة التي لن يخسر منها بوش وفريقه شيئا ما دام أنهم مغادرون في كانون الثاني/ يناير المقبل، او انهم سيتركون لخلفهم الجديد تقرير ما يجب فعله بعدما عجزوا هم عن ذلك.
عبد الحسين شبيب
الانتقاد/ العدد1263 ـ 18 نيسان/ أبريل 2008

2008-04-18