ارشيف من : 2005-2008
إعلام "الأعشاب" والخلطات والوصفات السحرية
لا شيء يضاهي رواج ثقافة الطب الشعبي والوصفات العشبية السحرية في هذه الأيام، وللمفارقة المضحكة فإن "نجوم" طب الأعشاب والخلطات السحرية صاروا يضاربون على نجوم الفن والثقافة والسينما.. الخ.. فقد انضم إلى أبطال عالم الإعلام، نجوم متميزون.. تتهالك عليهم الكثير من محطات التلفزة والأقنية الفضائية، وتزخر الأسطر العابرة على بعض الأقنية بأرقام هواتفهم وسبل الاتصال بهم، وخصوصاً أن الكلمات الاعلانية والدعائية تلعب بامتياز على وتر التأثير، فنقرأ ونسمع على سبيل المثال: لحلّ كل مشاكلكم المزمنة.. لراحتكم وتخلصكم من كل ألم.. للتخلص من كل ما يزعجكم.
هذه الطفرة الإعلامية الموجودة اليوم بقوة، وإن كانت تطمح لمضمون طبي وصحي، إلا أن غطاءها التجاري والربحي ما عاد يخفى على أحد، لكن المحيّر في الأمر، هو تلك العلاقة الغامضة بين الإعلام والإعلان، بحيث يصبح الإعلام دمية متحركة يحركها سوق الاعلانات على ذوقه.. كيفما يريد ويشاء.. وعلى هذا الأساس لم نعد نستغرب أن شعبية ذلك الزاعم بأنه خبير ومتخصص بعلم الأعشاب.. وله ماركته التجارية الخاصة به في سوق التجارة العالمي.. صارت تضاهي وربما تتفوق على شعبية الكثيرين من السياسيين والزعماء والمشاهير والنجوم..
فهل هي حاجة الإنسان المتألم المستعدّ لتصديق وقبول أي شيء في سبيل إيجاد علاج موهوم؟
أم هي واحدة من عاهاتنا العقلية المستديمة؟! التي تدفع بالكثيرين والكثيرات للتصديق، ولدفع المال، والسعي الدائم لتحصيل هذه الأعاجيب العشبية الدوائية! التي ما عادت ذاكرتنا قادرة على حفظ كل أسمائها وماركاتها ونجومها.. بدءاً من فلان الخبير المتخصص ومروراً بفلان الطبيب الماهر في صنع الصورة الإعلامية الإعلانية، ووصولاً إلى آخر وآخر وآخر.. ولائحة الأسماء والماركات تطول وتطول..
آخر صيحات هذا الإعلام الإعلاني هو الإتيان بالرجال والنساء العيّنات!! والنماذج! الذين يصدّقون بحماسة ظاهرة على النفع الكبير والشفاء الأكيد.. جراء استعمالهم لهذا المستحضر أو ذاك، وهذا الأمر يدفعني لأذكّر القرّاء والسامعين والمشاهدين، بتلك الحالة الفريدة التي تابعتها ذات مرة على إحدى الشاشات.. كان ذلك.. في مجرّد حلقة "توك شو" سلّطت الضوء على سلبيات ومساوئ الفوضى والعشوائية المتبعة في هذه المسألة، فكانت المفاجأة متمثلة في حضور بعض الشباب إلى الاستديو الذين تكلموا بندم وخجل عن خضوعهم وممارستهم لدور "المرتزقة الاعلاميين".
بمعنى آخر.. كان الضيوف أشخاصاً أصحّاء، أسقطتهم الاغراءات.. فتحولوا إلى نماذج اصطناعية "مرتزقة" كما قلت .. خرجوا على الكاميرا والشاشات ليزعموا.. أنهم مرضى بالسكري أو الجلطات أو الأمراض المستعصية.. وأنهم شفوا.. مباشرة.. لدى استعمالهم ذلك المستحضر أو تلك "الماركة".
سبحان الله.. هو نفسه ذلك "الإعلام".
يتحول من مُتهم ومُدان، إلى مدافع عن الحقيقة.. ومن "مدّعى عليه" إلى "مدّعٍ".. عسى ولعلّ أن يعود الناس إلى مساءلة عقولهم وتفكيرهم فيما يقدمون عليه ويندفعون باتجاهه.. حتى لا يكتمل "التطويب"! ويصبح الإعلام، إعلام الأعشاب والوصفات العجائبية والخلطات السحرية المضحكة على حساب قضايا وأمور أخرى.
فاطمة بري بدير
الانتقاد/ العدد1263 ـ 18 نيسان/ أبريل 2008