ارشيف من : 2005-2008
أهل المروءة من علماء الغرب ينصفون نبي الرحمة والسلام
الرَّحمَة هويَّة الرِّسالَة الإسلاميَّة. في سورةِ الأنبياء، مِن سُورِ القرآن الكريم: خُلاصَةٌ في ماهِيَّةِ الرِّسالَة العالَميَّة، التي جاءَ بها النبيُّ العرَبيُّ، محمَّد بن عبد الله، بن عبد المُطَّلِب (ص). يَقولُ الباري، عَزَّ وجَلّ: "وما أرسَلْناكَ إلاَّ رَحمةً للعَالَمين".
هذه هويَّة الرِّسالَة الإسلاميَّة، التي بُعِثَ لَها خاتَمُ النَّبيَّين محمَّد (ص) ومعَهُ دُستورُها التَّفصيليّ في حُقوقِ النَّاس والعَلائق الوُديَّة فيما بينهُم، وبينَ الخَلائقِ والخالِق.
ما سِوى هذهِ الرَّحمَة هو خارِج الهويَّة الإسلاميَّة، وادِّعاءٌ علَيها.
ولمَّا كانت الرّحمَة طاقةً وجدانيَّة؛ فقد جعلَ مَظهرَها التَّطبيقيّ: سَلاماً. ويُوصَفُ الدِّينُ الإسلاميّ كلّه: بأنهُ السَّلام؛ على اعتبارِ التَّطبيق العمَليّ للرَّحمَة.
الرَّحمَة والسَّلام: نظريَّةُ الإسلام ومُمارساته. ومحمَّد (ص): أدَّى إعجازَ النظَريَّة، قرآناً.. وأدَّى مُعجزةَ التَّطبيق في سِيرَتهِ، التي "أبطلَتْ وَأدَ البَنات، وقَتلَ الأولاد".
لذلك يُعتبَرُ مَن يُخالِفُ "رَحمةَ الإسلام وسَلامَه": خارِجاً عن الإسلام. وهو بالتالي لا يصلح اتخاذه من قبل أحد حُجّةً على "نبيّ الرَّحمَة والسَّلام".
في عالَمِ اليوم وفي الغرب تحديداً مُحاوَلاتُ تَشويشٍ على الإسلام ورَسولِ الإسلام، بِصُوَرٍ يَدَّعِيها أصحابُها. كما ادَّعاها أمثالُهُم، عندَ ظُهورِ الإسلام، وعلى عُصورِ التاريخِ الإسلاميّ.
إساءات متكررة لحضرة نبي الإنسانية وسيد ولد آدم: رسوم كاريكاتورية، كتب، صحف، برامج تلفزيونية، تصريحات من أعلى القيادات السياسية والدينية؛ أصبح شغلها الشاغل تشويه صورة نبي الله "محمد بن عبد الله" ومحاولة النيل من دينه وشرفه وأخلاقه.
إنها محاولات حمقاء، تحاول أن تطعن في أخص خصائص نبي الإسلام (ص) على الإطلاق. ألا وهي خصيصة "الرحمة"، التي ساد وقاد بها العالم. في موازاة ذلك فقد انبرى أهل المروءة من علماء الغرب ومنذ زمن بعيد للدفاع عن خاتم النبيين في مواجهة ابناء قومهم من دعاة العنصرية وذوي الاهواء السياسية فأنصفوا رسول الإسلام (ص) في كتاباتهم ودراساتهم التي تعد بمِئاتُ الكتُب.. وأُلوفُ الأبحاث. وكلها يشهد أن: "محمَّداً نبيُّ الرَّحمَةِ والسَّلام".
إليك بعضَ المقتطفات من تلك الشهادات:
في كلمات تنم عن عميق الحب وعلو التقدير، يتحدث توماس كارلايل (1795 – 1881م) الكاتب الإنجليزي المعروف، في إعجاب بصفات الرحمة في شخصية محمد(ص) فيقول:
".. لقد كان في فؤاد ذلك الرجل الكبير(ص)، العظيم النفس، المملوء رحمة، وخيرًا، وحنانًا، وبرًا، وحكمة، وحجى، ونهى.. أفكار غير الطمع الدنيوي، ونوايا خلاف طلب السلطة والجاه".
ولا يُخفي "لين بول" (1652 _1719) تأثره بمحمد(ص)، فيتحدث في مؤلفه: "رسالة في تاريخ العرب" عن سجايا خلق الرحمة في شخصية محمد(ص) في إعجاب جم قائلاً:
"إن محمداً(ص) كان يتصف بكثير من الصفات كاللطف والشجاعة، وكرم الأخلاق. حتى إن الإنسان لا يستطيع أن يحكم عليه دون أن يتأثر بما تطبعه هذه الصفات في نفسه. ودون أن يكون هذا الحكم صادراً عن غير ميل أو هوى. كيف لا، وقد احتمل محمد(ص) عداء أهله وعشيرته سنوات بصبر وجلد عظيمين، ومع ذلك فقد بلغ من نبله أنه لم يكن يسحب يده من يد مصافِحِه حتى لو كان يصافح طفلاً. وأنه لم يمر بجماعة يوماً من الأيام رجالاً كانوا أم أطفالاً دون أن يسلّم عليهم، وعلى شفتيه ابتسامة حلوة، وبنغمة جميلة كانت تكفي وحدها لتسحر سامعيها، وتجذب القلوب إلى صاحبها جذباً".
وأما الباحث وليم موير فيتحدث في مؤلفه: "حياه محمد" عن أخلاقيات النبي(ص) في تقدير بالغ لرقة النبي(ص)ورفقه ورأفته، ولين عريكته، فيقول:
"ومن صفات محمد(ص) الجليلة الجديرة بالذكر: الرقة والاحترام، اللذان كان يعامل بهما أصحابه، حتى أقلهم شأناً. فالسماحة والتواضع والرأفة والرقة تغلغلت في نفسه. ورسخت محبته عند كل من حوله. وكان يكره أن يقول لا. فإن لم يمكنه أن يجيب الطالب على سؤاله، فضّل السكوت على الجواب. ولقد كان أشد حياء من العذراء في خدرها. وقيل عنه: "وكان إذا ساءه شيء تبيّنا ذلك في أسارير وجهه". ولم يمس أحداً بسوء الا في سبيل الله. ويُؤثر عنه أنه كان لا يمتنع عن إجابة الدعوة من أحد مهما كان حقيراً. ولا يرفض هدية مهداة إليه مهما كانت صغيره. وإذا جلس مع أحد أياً كان لم يرفع نحوه ركبته تشامخاً وكبراً".
ويقول العلامة الإنجليزي دُرّاني، مشيراً إلى خلق الرحمة في النبي(ص): "أستطيع أن أقول بكل قوة انه لا يوجد مسلم جديد واحد لا يحمل في نفسه العرفان بالجميل لسيدنا محمد(ص) لما غمره به من حب وعون وهداية وإلهام.. فهو القدوة الطيبة التي أرسلها الله رحمة لنا وحبًا بنا حتى نقتفي أثره (ص)".
والدكتور الإسباني "جان ليك": في كتابه (العرب) يقول:
"وحياة محمد(ص) التاريخية لا يمكن أن توصف بأحسن مما وصفها الله بألفاظ قليلة، بين بها سبب بعث النبي محمد(ص) "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين" [الأنبياء: 107]، وقد برهن بنفسه على أن لديه أعظم الرحمات لكل ضعيف، ولكل محتاج إلى المساعدة، كان محمد(ص)رحمة حقيقة لليتامى، والفقراء، وابن السبيل، والمنكوبين، والضعفاء، والعمال، وأصحاب الكد والعناء، وإني بلهفة وشوق.. أصلي عليه وعلى أتباعه".
أما العلامة واشنجتون ايرفنج، في كتابه (حياة محمد)، فيدلل على خلق الرحمة في شخصية النبي(ص)بموقفه في فتح مكة وهو القائد المنتصر قائلاً: "كانت تصرفات الرسول(ص) في أعقاب فتح مكة تدل على أنه نبي مرسل لا على أنه قائد مظفّر. فقد أبدى رحمة وشفقة على مواطنيه برغم أنه أصبح في مركز قوي. ولكنه توّج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو".
يتحدث المفكّر الفرنسي جوستاف لوبون في كتابه (الدين والحياة)، عن علو أخلاق النبي محمد(ص) لا سيما رحمته ورقة قلبه، فيقول: "لقد كان محمد(ص) ذا أخلاق عالية، وحكمة، ورقة قلب، ورأفة، ورحمة، وصدق وأمانة. وهذه الأخلاق هي التي جذبت آراء المنصفين لنبي الإسلام، وعدَّتُه من أعاظم رجالات التاريخ مع أن التعصب الديني أعمى بصائر مؤرخين كثيرين عن الاعتراف بفضله".
ويتحدث المؤرخ الشهير جيمس متشنر عن بعض صور الرحمة في شخص النبي(ص)، مشيراً إلى بساطة النبي(ص)، وإنسانيته، ونبله، وحزمه، فيقول: "إن محمداً هذا الرجل الملهم، الذي أقام الإسلام، ولد في قبيلة عربية تعبد الأصنام. ولد يتيماً محباً للفقراء والمحتاجين والأرامل واليتامى والأرقاء والمستضعفين.
وقد أحدث محمد(ص) بشخصيته الخارقة للعادة ثورة في شبه الجزيرة العربية وفى الشرق كله. فقد حطم الأصنام بيديه، وأقام ديناً يدعو إلى الله وحده. ورفع عن المرأة قيد العبودية التي فرضتها تقاليد الصحراء. ونادى بالعدالة الاجتماعية. وقد عرض عليه في آخر أيامه، أن يكون حاكماً بأمره، أو قديساً. ولكنه أصر على أنه ليس إلا عبداً من عباد الله أرسله إلى العالم منذراً وبشيراً".
الانتقاد/ العدد1263 ـ 18 نيسان/ أبريل 2008