ارشيف من : 2005-2008
نقطة حبر: عن الصدر الأول
تبدو السيرة الذاتية للشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر لناظرها حياة قصيرة جداً كثيفة جداً، كأن العمر القصير يحيل الزمن إلى زمن آخر أكثر خصوبة وحياة وتجدداً وعطاءً، ولنبدأ من البداية:
في عمر السنتين توفي والده وترك الأسرة في عهدة الله "عز وجل" الذي قدّر الفقر الشديد لهذه الأسرة الهاشمية الكريمة، يتولى أخوه السيد اسميه تربيته وتعليمه وتنشئته، يلتحق بمدرسة ابتدائية أنشأها الشيخ المظفر، تبرز عليه علامات النبوغ المبكر، ينهي أربعة صفوف ابتدائية بتفوق بارز في عامين. لينتقل إلى الحوزة العلمية في النجف الأشرف، مبكراً جداً يؤلف كتابه "فدك في التاريخ"، ومبكراً جداً يحوز مرحلة الاجتهاد، يبدع في كتبه: فلسفتنا، اقتصادنا، الأسس المنطقية للاستقراء، وسرعان ما تتحول إلى كتب تدرّس في المعاهد والجامعات والحوزات العلمية، يتصدى للمد الفكري الشيوعي، يعارض بقوة النظام الصدّامي الديكتاتوري، يؤسس "حزب الدعوة"، يساند الثورة الاسلامية، يذوب في الإمام الخميني "قده"، يستشهد في التاسع من نيسان 1980، يسقط النظام العفلقي في التاسع من نيسان 2003، إنها مفارقة عجيبة تضاف إلى المشهد، مشهد الحياة القصيرة جداً (1946 ـ 1980) المفعمة بالإيحاءات والتداعيات.
يبقى أن الحياة القصيرة جداً، والخصبة جداً، بحاجة إلى من يطوّلها على مساحات التاريخ الفكري والأدبي والعرفاني، بحاجة إلى من يكتبها ويؤرخ لها ليس على طريقة اعادة كتابة المكتوب، وإنما بإضاءة ما خفي من حياة هذا المفكر الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، لا سيما على صعيد الحياة الشخصية: علاقته مع تلامذته وأصدقائه، علاقته مع أسرته وأهل بيته، عبادته، مواقفه، طرائفه، نصائحه أخباره الخاصة.
هل يقدم أحد عارفي سيرة السيد الشهيد على كتابة المسكوت عنه من السيرة العطرة لهذا العالم الكبير، أم أن الغموض الذي يلفّها يزيدها ألقاً وسحراً.
حسن نعيم
الانتقاد/ العدد1263 ـ 18 نيسان/ أبريل 2008