ارشيف من : 2005-2008
حدث في مقالة: واشنطن تعطل الحلول كرمى لعيون السنيورة وأمور أخرى
كتب مصطفى الحاج علي
المشهد الداخلي مفارق حتى الثمالة، فنحن أمام الشيء وضده، ومن داخل المكوّنات الأساسية للسلطة، ما يكشف عن حجم التناقض الذي باتت تحتكم اليه الأزمة اللبنانية. رئيس الحكومة اللاشرعي، ومن موقعه على خريطة مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة، والذي بات مقدس السياسة الأميركية في لبنان الذي يجب أن لا يمس، ينطلق في تحركٍ خارجي عنوانه التحضير لاجتماع استثنائي لوزراء الخارجية العرب ولمناقشة أزمة العلاقات اللبنانية ـ السورية، طبعاً العنوان هنا مخادع لأنه يريد ابتداء أن يصور أن هناك أزمة بين كل اللبنانيين ودمشق، في حين أن الحقيقة عكس ذلك تماماً، فإذا كان من أزمة فعلية فهي بين فريق أميركا في لبنان وسوريا، وأزمة هذا الفريق تقع في امتداد أزمة واشنطن، وأزمة أتباعها من العرب مع دمشق، هذا التصويب أكثر من ضروري، لأن من شأنه تصحيح النظرة، وتوضيح طبيعة الأزمة التي يتحدث عنها، فهذا الفريق يخوض بالتكليف عملية تظهير الأزمة الأميركية والمصرية والسعودية مع سوريا، بصورة أنها أزمة لبنان مع سوريا.
هنا، يصبح السؤال المطروح فعلياً ليس ماذا يريد لبنان من سوريا، بل ماذا تريد واشنطن من سوريا، وماذا تريد الرياض من سوريا، وما يريد هؤلاء معلوم ولم يعد سراً، فما تريده واشنطن هو عين ما يريده الكيان الإسرائيلي، أي رؤية لبنان بلا مقاومة، ورؤية لبنان محلاً لتوطين الفلسطينيين، ومنطلقاً للضغط على سوريا، وما تريده الرياض أيضاً لم يعد سراً، فهي تريد تعويضاً عما ترى أنه فاتها في العراق، ونظاماً سياسياً، يلحق لبنان نهائياً بمنظومة عرب التسوية، والمحور الأميركي في المنطقة.
وفي مطلق الأحوال، إن سعي السنيورة وملاقاة بعض العرب له في منتصف الطريق، لعقد مؤتمر لوزراء الخارجية العرب، معطوفاً على القمم الثنائية والثلاثية التي تعقد في شرم الشيخ من وقت لآخر، هو لتشويه صورة دمشق، والالتفاف على نتائج قمتها العربية، وقطع الطريق على دورها الرئاسي، وصولاً إلى تحقيق مضامين ما خرجت به لمصلحة طروحات أخرى، ولذا لم يكن غريباً مثلاً أن تؤكد قمة شرم الشيخ بين رئيس النظام المصري حسني مبارك وملك النظام السعودي عبد الله على قرارين أقل ما يقال فيهما إنهما وأد لمبادرة بيروت للتسوية لمصلحة رؤية بوش للطابع اليهودي لدولة الكيان الإسرائيلي، والاسقاط النهائي لمسألة حق العودة للمهجرين الفلسطينيين، وكذلك وأد للمبادرة العربية الخاصة بحل الأزمة اللبنانية، عندما أكد الطرفان المصري والسعودي على كون انتخاب رئيس الجمهورية أولاً وبشكل فوري ممراً إلزامياً لتسوية العلاقات مع سوريا، وللبحث في أي نقاط أخرى، ما يعني ضمنياً رفض منطق التسوية والحلول التسووية، لمصلحة إبقاء الأمور على ما هي عليه حتى إشعارٍ آخر، وبالالتقاء تماماً، بل بالتماهي تماماً مع الاستراتيجية الاميركية المرسومة للأزمة اللبنانية، والتي أكدت وزيرة الخارجية الاميركية رايس خطوطها العامة بمنتهى الوضوح، عندما أعلنت صراحة أن اميركا لا ترى ضيراً في بقاء الأمور على ما هي عليه ما دام ذلك يكفل لها بقاء السنيورة على رأس الحكومة الحالية، وحتى لو اقتضى ذلك التمديد لمجلس النواب الحالي، هذه الاستراتيجية تقول أكثر مما تصرح، فهي:
ـ تؤكد أن السنيورة هو رجل اميركا الذي لا غنى عنه، وأن السنيورة استطاع أن يحجز لنفسه موقعاً في حسابات المصالح الاميركية، على حساب من يفترض أن يكون أقوى وأكثر حضوراً منه كسعد الحريري مثلاً، وهذه الحاجة الاميركية للسنيورة لا يمكن تصورها خارج ما يعد للمنطقة من سيناريوهات سواء ما يتصل منها بالحرب أو ما يتصل منها بالتسوية على المسار الفلسطيني ـ الاسرائيلي، حيث المطلوب توقيع عربي ما على شطب حق العودة، وتوفير كل مستلزمات توطين الفلسطينيين حيث هم، هذا إلى جانب الحاق لبنان بالمحميات الاميركية في المنطقة، وكقاعدة من قواعد حلف الأطلسي الذي بات الإطار الناظم عسكرياً وأمنياً وحتى سياسياً للعلاقات بين محميات واشنطن العربية والكيان الاسرائيلي، ودوره الوظيفي المفترض في المنطقة، خصوصاً في مواجهة محور المقاومة والممانعة.
ـ إن واشنطن عاجزة عن تغيير التوازنات الحالية التي تحكم المشهد اللبناني لمصلحتها، وهي، بالتالي، راغبة في إبقاء الأمور على ما هي عليه، ما يعني أنها لن تألو جهداً في توفير كل مستلزمات الدعم والإسناد المطلوبة لمنع أي عملية إطالة للوضع القائم لمصلحة المعارضة. وأكثر من ذلك يستشف من كلام رايس عن أن واشنطن لا تمانع في التجديد أو التمديد للمجلس النيابي الحالي أنها تدرك أن أي انتخابات جديدة لن تكون لمصلحة فريقها، وأنه سيخسر صفة الأكثرية لمصلحة المعارضة، ما يعني بدوره أنها لن تعطي الإذن بالموافقة على مبادرة الرئيس بري الأخيرة والقائمة على معادلة: الرئاسة مقابل قانون الانتخابات على أساس قضاء 1960.
وهذا بدوره يفسر الموقف السعودي ـ المصري المشترك المصرّ على رفض أي طرح تسووي، والمؤكد على انتخاب الرئيس فوراً كشرط لازم وضروري وسابق لأي شيء آخر، الأمر الذي يقطع الطريق على أي مسعى لتسوية أزمة العلاقات السعودية ـ السورية، والمصرية ـ السورية، لمصلحة تعميق التباينات العربية ـ العربية، وتوزعها على محاور مواجهة معروفة الأبعاد والأهداف.
في هذا الإطار، تبدو مساعي الرئيس بري لحلحلة الأمور، وإعادة موضعة الأزمة اللبنانية ضمن دائرة الحوار اللبناني ـ اللبناني أولاً، وضمن دائرة تسوية أزمة العلاقات السعودية ـ السورية، والمصرية ـ السعودية ثانياً، محكوم عليها أميركياً سلفاً بالتفشيل، وهذا ما يفسر بدوره تلكؤ النظامين السعودي والمصري في تحديد مواعيد للرئيس بري لزيارتهما، لأنهما لا يريدان تحمل مسؤولية إفشال هذا المسعى الجاد، في ظل استراتيجية واشنطن لحصر المسؤولية بسوريا والمعارضة بغية تشويه صورتهما إزاء الرأي العام اللبناني والعربي.
بعد هذا كله، هل يبقى من لبس إزاء من يؤخر الحلول في لبنان، ولمصلحة من، ولحساب أي رهانات خائبة جديدة؟.
الانتقاد/ العدد1263 ـ 18 نيسان/ أبريل 2008