ارشيف من : 2005-2008
هل بات التقسيم والتوطين قدر لبنان؟
كتبت ليلى نقولا الرحباني
لم ينقطع الحديث في المجالس السياسية اللبنانية يوماً عن امكانية تقسيم لبنان او "فدرلته" وتوطين الفلسطينيين فيه. واليوم أكثر من اي وقت مضى يطرح هذا الموضوع بعد ما قاله الرئيس بوش، وعما يكشف من وثائق تكشف تواطؤ السلطة الفلسطينية في هذا الموضوع، وما يُكشف من عمليات شراء اراضٍ مشبوهة تتم في منطقة جبل لبنان بالتحديد، فقد كشف النقاب عن عمليات بيع اراضٍ بهدف التوطين في كل من البترون وجبيل وكسروان وغيرها من المناطق اللبنانية. واللافت ان الصين دخلت على هذا الخط بعدما قدمت هبة للحكومة اللبنانية "لإدماج" فلسطينيي نهر البارد في المجتمع اللبناني وتأمين مساكن لهم في المناطق التي تهجروا اليها.
لماذا يتم شراء الاراضي في جبل لبنان بالتحديد؟
ان دعاة المشاريع التقسيمية والتفتيتية للبنان يدركون ان مشروعهم تعترضه عقبة رئيسية، اذ ان الكونتون "السني" لا يمكن أن يقوم في ظل انقطاع جغرافي بين اوصاله، وهذا ما صرح به دوري شمعون والرئيس امين الجميل الى صحيفة الواشنطن بوست بعد انتهاء حرب تموز بأشهر قليلة، وقد اعلن الوزير الصفدي في نفس المقابلة انه في حال التقسيم فهو سيسكن وعائلته في جبيل.
فهل هذا يعني ان جبيل ستتبع للكونتون السني ام انه يفضل العيش بين المسيحيين؟
هناك وجهة نظر تقول ان شراء الاراضي في مناطق جبل لبنان وخاصة في اقضية البترون والكورة وجبيل وكسروان هدفه تغيير هوية الارض وتغيير ديمغرافيتها من خلال توطين الفلسطينيين فيها، بغية اقامة تواصل جغرافي من اجل امكانية اقامة الكونتون السني، اي ربط عكار وطرابلس مع بيروت.
ويبدو ان البطريركية المارونية ليست بعيدة عن اجواء ما يحاك، بل نبه مجمع المطارنة الموارنة في بيان له في حزيران 2007 من ان "التوطين يظهر مرة بطريقة مغلفة ومرة بطريقة سافرة، وهذا فخ للبنان وللقضية الفلسطينية". ولكن الاخطر هو ما صرح به البطريرك الماروني في التاريخ عينه "ان هناك بعض اللبنانيين يرفض التوطين والبعض الآخر قد قبل به"، فهل يعني هذا ان البطريرك على علم بالمشاريع التي تحاك والمؤامرة التوطينية التي تهدد لبنان والتي تنكر حق العودة للفلسطينيين؟ ولماذا لا يقلب البطريرك الماروني الطاولة ويفضح هؤلاء القابلين بالتوطين؟
ان النموذج اللبناني التعددي القائم على التعايش الاسلامي المسيحي هو اليوم في خطر شديد، والقضية الفلسطينية في خطر أشد، ففي الوقت الذي يتآمر فيه قادة الفلسطينيين على حق شعبهم بالعودة الى الديار، يتآمر حكام الامر الواقع في لبنان على الوطن وعلى شعبه بتغيير الجغرافيا والديمغرافيا. المطلوب من قبل اصحاب المشروع الاميركي وادواتهم في المنطقة، تقسيم لبنان وتفتيته وذلك تحقيقاً لاهداف عدة:
أولاً: الغاء نموذج التعددية الدينية والحضارية التي يمكن ان تعيش في وطن واحد.
ثانياً: اضعاف لبنان بعد ان حقق بوحدته انتصاراً على اعتى جيش في المنطقة، وهزم اسرائيل في حرب تموز 2006.
وثالثاً: توطين الفلسطينيين وفي ذلك اراحة لـ"اسرائيل" وتسهيل للسلطة الفلسطينية من اجل تقديم التنازلات المطلوبة اسرائيلياً واميركياً، واراحة للعرب من قضية جوهرية في الصراع العربي الاسرائيلي، قضية اللاجئين ومصيرهم.
ان المشروع الاميركي للمنطقة الذي يقوم على الغاء حقوق الشعوب وعلى تفتيت وتقسيم البلدان العربية ما زال قائماً، ولكنه يستخدم استراتيجية "الهدوء وعدم الضجيج" لئلا يثير ردود فعل عنيفة. على المسؤولين اللبنانيين التنبه فالخطر داهم وحقيقي، ففي الوقت الذي يتجه الغرب والاوروبيون الى التوحد والاندماج، يعيش الشرق اليوم خطر البلقنة والتفتيت والتقسيم. مشاريع تقسيمية وتفتيتية ترسم للمنطقة، مشاريع تريد بناء دويلات طائفية مذهبية متناحرة على أنقاض الدول الوطنية القائمة. ولعل أكثر المتضررين من هذه المشاريع سيكون النموذج اللبناني الذي عانى ويعاني من الويلات والحروب بسبب التدخلات الخارجية، والاطماع الاقليمية والدولية.
ان النموذج الحضاري اللبناني يتهدده الخطر الذي لطالما تهدده منذ اقامة دولة اسرائيل. فالصراع اللبناني مع "اسرائيل" هو أكثر من مجرد صراع حدودي، انه صراع بين ثقافتين مختلفتين، اذ ان نموذج التعددية في لبنان هو عكس النموذج الإسرائيلي حيث تقوم الدولة على أحادية الدين والعرق. و"إسرائيل" تريد أن تثبت للعالم ان التعايش الديني والحضاري غير ممكن، لئلا يطلب منها العالم يوماً أن تعيش في دولة موحدة، يكون فيها اليهود والفلسطينيون، مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، تماماً كما يعيش المسيحيون والمسلمون في لبنان.
الانتقاد/ العدد1263 ـ 18 نيسان/ أبريل 2008