ارشيف من : 2005-2008

بقلم الرصاص: .. وبالجوع تدوم النعم

بقلم الرصاص: .. وبالجوع تدوم النعم

كتب نصري الصايغ
النفط، ماضٍ إلى مستقبلٍ تزدهر فيه المجاعات، أسعاره تَعد باختراق السقوف اللامعقولة، النفط، دخل حلبة الجنون، ولن يستقر على إقامة دائمة.
الأرز، طعام الجائعين، ماضٍ إلى ندرةٍ تصرّر ملايين الأفواه، وقد يبست شفاهها على قبلة الجوع، خبز الفقراء في العالم الثالث، يتحوّل إلى سلعة نادرة، وسوق سوداء توزعه على المحظوظين من الجائعين.
العالم، يعقد اجتماعات استثنائية، على مستويات سياسية مالية واقتصادية معولمة، لتدارك كارثة العنف القادمة، ودفاعاً عن النظام الرأسمالي، الأكثر توحشاً من الدكتاتوريات الفاشية النازية ومن يشبههما.
أكثر من مئة مليون جائع، يقدمون طلبات انتساب إلى مجتمعات المعدمين، المرشحين للموت، حيث أن عجلة الزمن، تطحن كل دقيقة ثلاثة أطفال وسيصبحون سبعة.
من مجتمع التبذير والتخمة والاستهلاك العبثي، فرض على من لا يملكون إلا القليل، أن يكونوا مستهلكين، برتبة تبذيرية متقدمة، ولبنان واحد منها. أكثر من أربعين مليار دولار من الديون، تعيش فئات كثيرة، فوق طاقتها، بندرة الماضي والحاضر مقامرة بالمستقبل.
العالم يتسلق الهاوية.. إنه ذاهب إلى الكارثة، و"الخبراء" دون نظام السوق، وعقيدة الرأسمالية، ويبشرون بفضائل الداروينية: البقاء للأصلح، والموت للضعفاء.
قيل: الدين يعدك بالآخرة، والشيوعية تعدك بالدنيا ولا تفي بوعدها، أما الرأسمالية، فإنها تعد ولا تفي إلا مع القلّة التي تعد نفسها. ضحايا الرأسمالية، أكثر بكثير من ضحايا الحروب، لذا، يسمي جان زيغلر، النظام الرأسمالي المتوحش، بنظام "الهولوكوست" الدائم.
وقيل: انتهى التاريخ، وانتصر النظام الاقتصادي الحر من كل قيد، ولا أحد بعد اليوم يهدد هذا النظام. لقد انتصر وسجل نهاية الوعود اليوتوبية.
إلا أن انتصاره، مكلف ومجحف، وها هو الآن يتوّج انتصاره الأخير، بالخوف على ذاته من ذاته، وعليه، بأن المعالجات المطروحة، ليست من جنس إصلاح النظام العالمي، بل من طبيعة الوسائل التي تحافظ عليه.
فأهل السلطة الكونية، السياسية والاقتصادية، لن تعالج المشكلة من أساسها، والكامنة في بنية هذه السلطة وهجومها الرهيب إلى تأمين الربحية في فترة زمنية وجيزة، بل ستعالج عوارض هذا النظام، الذي يفرز المجاعات المولد للنزاعات والعنف، النظام العالمي، يتستر على المجاعات، يغض قلبه وطرفه عنها، لا يتحدث عنها.
العالم يزداد جوعاً ومرضاً وآلاماً وأمراضاً وديوناً، وأثرياء هذا الكوكب يزدادون "مليرة" (من مليار). محفظة الدول الغنية تزداد أرقاماً، ومحفظة الدول الفقيرة، تقتات من ديون مجحفة، وأصفار مقفرة.
لن يعالجوا مشكلة الجوع إلا بالمسكنات، بوجبات من الأرز، بقليل من الدولارات خوفاً من  اندلاع العنف، إنهم يخافون العنف، ولا يخشون الجماعات، فليمت الضعفاء بصمت، أما إذا قرروا أن يعترضوا على موتهم، فلا بد من إسكات أصواتهم، بلقمة ذليلة، ليسكتوا عن هذا النظام العالمي، وخدمة السياسيين في أنظمة الاستبداد والتبعية والسرقة والخصخصة والانفتاح.
أكثر من أربعين دولة، مهددة بالجوع.
ثروة ثلاثة مليارييي العالم، توازي ثروة عشرات الدول  الجائعة.
غريب: كانت الأمم المتحدة، قد ثبتت مشروعاً لمكافحة الجوع في العالم ووضعت روزنامة لذلك فما الذي حصل؟
حصل أن الذئاب الكواسر احتلوا البورصات العالمية، وأسواق المال، وفضاءات المضاربة، وقرروا أن يمسكوا بنهاية التاريخ الآخر.
الذئاب، علموا عدداً من الدول، وسائل الافتراس الهادئة، وها هو العالم، على وشك التحوّل إلى نعاج.
أيضاً، بعض النعاج، يمتلك قروناً.. فمن يمنع هذا السلاح، اذا قلّت المراعي، وجف الضرع، ومات الراعي؟
الانتقاد/ العدد1263 ـ 18 نيسان/ أبريل 2008

2008-04-18