ارشيف من : 2005-2008

احتفال حاشد في النبي أيلا تضامناً مع الضبّاط ورفضاً للاعتقال التعسفي

احتفال حاشد في النبي أيلا تضامناً مع الضبّاط ورفضاً للاعتقال التعسفي

ما إن شعر مضلّلو التحقيق عن قصد، في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بقرب أجل لعبتهم الخطرة في اختراع شهود الزور، حتّى أعادوا تحريك ماكيناتهم الإعلامية وتزييت أبواقهم لوقف عملية كشف وجوههم وتعريتهم أمام الرأي العام اللبناني والعربي والدولي خوفاً على أنفسهم، وعلى من طلب منهم، ممارسة هذا التهوّر، لتحقيق مكاسب سياسية على حساب دم الشهيد الحريري وراحة وأمن الشعب اللبناني برمّته.
فعلى التوالي، "ظهر" الشاهد السوري محمّد زهير الصدّيق في "اتصال هاتفي" مزعوم مع جريدة "السياسة" الكويتية التي استطاعت معرفة مكان وجوده وتحديده على أنّه جنوب فرنسا، أكثر من السلطات الفرنسية التي أكّدت بشكل حاسم وجازم، على لسان الناطقة باسم وزارة خارجيتها باسكال أندرياني بأنّه غادر منزله في فرنسا يوم الخميس الواقع فيه 13 آذار/مارس من العام 2008، ولم تكتف بالقول إنّه ترك منزله في بلدة "شاتو" وإنّما عمّمت ليشمل الأمر جميع الأراضي الفرنسية، لتذكّرنا هذه الحادثة بمهزلة استباق هذه "السياسة" للتحقيق بنشرها يوم السبت الواقع فيه 19 شباط/فبراير من العام 2005، أيّ في اليوم الخامس لحصول الاغتيال، موضوعاً تتهم فيه اللواء الركن جميل السيّد وضباطاً سوريين بالضلوع في هذه الجريمة، ليعود الصدّيق ويحفظها عن ظهر قلب ويكرّرها كالببغاء، أمام لجنة التحقيق الدولية في عهد رئيسها الألماني ديتليف ميليس.
وقد بات معروفاً للقاصي والداني، بأنّ كاتب سطور عودة الصدّيق إلى التنفّس في فرنسا، هو وزير ونائب لبناني كان يتجسّس على رفيق الحريري في جلسات مجلس الوزراء ويفتح هاتفه الخلوي لكي يسمعه مشغلوه.
وعلى التوالي، عادت صحيفة "الحياة" السعودية، تكتب بحرارة عن ميليس ورئيس فريق تقصّي الحقائق الايرلندي بيتر فيتزجيرالد الذي مهّد أرضية استدعاء التحقيق الدولي بادعائه بأنّ القضاء والأجهزة الأمنية اللبنانية غير مؤهّلين للقيام بمسؤولية كشف الحقيقة، وتهاجم في عددها الصادر يوم الجمعة الواقع فيه 11 نيسان/أبريل من العام 2008، القاضيين البلجيكي سيرج برامرتز والكندي دانيال بيلمار بسبب إسقاطهما من مفكّرة التحقيق الإفادات الكاذبة لشهود الزور، وفي مقدّمتهم الصدّيق الذي بنى عليه ميليس نظريته وتوصيته لتوقيف الضبّاط الأربعة، وتصويب نيران تحقيقه على سوريا، مستبعداً فرضيات أخرى ظهر لاحقاً أنّه من الضروري البحث فيها لأهمّيتها وربّما لضلوعها في جريمة الاغتيال.
هسام يفضح الأسماء
وإذ تزامن إخفاء الصدّيق مع إطلالة ميليس التلفزيونية على محطّة "المؤسّسة اللبنانية للإرسال" وقوله بأنّه ليس شاهداً أساسياً، فإنّ ميليس لم يوفّر لا برامرتز ولا بيلمار من انتقاداته، والدافع هو أنّهما أهملا قناعته بما تلاه على مسمعه الصدّيق والشاهد السوري الآخر هسام هسام الذي تراجع عن شهادته وكشف أسماء الأشخاص الذين تناوبوا على تلقينه مضمونها وهم: الوزير والنائب مروان حمادة والمستشار الإعلامي للنائب سعد الدين رفيق الحريري الصحافي هاني حمود، والصحافي في جريدة "المستقبل" فارس خشّان. وكرّر هسام ذكر الأسماء خلال مداخلة قدّمها على قناة "المنار" ضمن برنامج "حديث الساعة" يوم الجمعة الواقع فيه 11 نيسان/أبريل من العام 2008.
وبدا واضحاً أنّ مضلّلي التحقيق يسعون إلى الهجوم بزيادة الضغوط على بيلمار، وعدم الاكتفاء بالدفاع، وذلك بالإصرار على وجوب أن تبدأ المحكمة ذات الطابع الدولي عملها اليوم وقبل الغد، وقبل أيّ يوم آخر، لأنّ السياسة أصبحت مستعجلة، ما يعني أنّ هنالك صداماً بين السياسة والقانون، وهو ما يتعارض ويتضارب مع مصداقية المحكمة ويوسّع الشرخ بينها وبين الحقيقة المطلوبة.
فقد قال بيلمار خلال مناقشة تقريره الشخصي الأوّل، والعاشر للجنة التحقيق، في مجلس الأمن الدولي يوم الثلاثاء الواقع فيه 8 نيسان/أبريل من العام 2008، إنّه لا يجوز للإرادة السياسية أن تتدخّل في عمل لجنة التحقيق، واستشهد لهذه الغاية، وعن قصد، بأقوال المدعية العامة السابقة للمحكمة الدولية في يوغوسلافيا سابقاً كارلا دو بونتي التي وقفت بصلابة وبكلّ شجاعة، ضدّ تدخّل الدول الكبرى، ولا سيّما الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، في عمل محكمة يوغوسلافيا، ورفضت أيّ نوع من الضغوط في صلب عملها ومسؤولياتها القانونية، ما يعني أنّ بيلمار كان واضحاً ومن أوّل الطريق ومن أوّل تقرير رسمي له، بأنّه لن يسمح للسياسة بالتدخّل في عمله، ولذلك قال في الفقرة الثامنة والخمسين من تقريره بأنّه عندما يحلف اليمين كمدعي عام للمحكمة سوف يتولّى إعادة تقويم الأدلّة، وقد يطلب إجراء تحقيق إضافي، قبل أن يقتنع بأنّ الأدلّة المتوافرة تبرّر وتسوّغ إصدار قرار اتهامي، ولن يقدم على مثل هذه الخطوة قبل أن يقتنع، وانّ خبرته علّمته بأنّ هذا لن يكون فورياً.
المضلّلون يفقدون صوابهم
وكان هذا الكلام الصريح، كافياً لإفقاد مضلّلي التحقيق والسائرين بركبهم، لصوابهم، وجعلهم يستنفرون ماكيناتهم الإعلامية لضخّ المزيد من الضغوط على صاحبه، أيّ على بيلمار الذي كانوا يأملون منه أن يجهز على عمل سلفه برامرتز ويعيد الاعتبار إلى شهودهم المزيّفين، ويسبغ عليهم نعمة المصداقية التي يفتقدونها.
 ويأتي موقف بيلمار مكمّلاً لما قاله وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون القانونية نيكولا ميشال بتكذيبه ما ادعى مندوب الولايات المتحدة الأميركية في مجلس الأمن الدولي زلماي خليل زاد نقله عنه بخصوص بدء عمل المحكمة ذات الطابع الدولي مهامها في 15 حزيران/ يونيو من العام 2008.
ويبقى الصراع واضحاً، فالسياسة تريد أن تبدأ المحكمة سريعاً وغداً، والقضاء الدولي، وليس اللبناني، لا يريدها أن تبدأ قبل أن ينتهي من التحقيق.
ولكنّ الفارق بين الضغط السياسي على "محكمة يوغوسلافيا" والضغط على "محكمة لبنان" كبير وشاسع، فالضغط على الأولى كان يرمي إلى تمكين بعض المتهمين من الإفلات من العقاب، بينما الضغط على الثانية يهدف إلى تمديد توقيف الضبّاط الأربعة، وبدء المحكمة عملها من دون أن يكون هنالك مشتبه بهم أو أدلّة.
ومن هنا تتبدّى صعوبة الصراع الحاد بين السياسة والقانون، لأنّ التسييس يكون في تخفيف عقوبة بعض المتهمين إنما من المستحيل أن يتناول التسييس إدانة أبرياء. وعلى سبيل المثال، فإنّ المحكمة العسكرية في لبنان سلكت طريق التهاون والتساهل وتخفيف الأحكام مع ملفّات ضبّاط وعناصر ميليشيا العميل أنطوان لحد بعد انهيارها وتفكيكها إثر سطوع التحرير يوم الأربعاء الواقع فيه 24 أيّار/ مايو من العام 2000، وذلك بسبب الضغط السياسي على هذه المحكمة، ولكنّ السياسة لم تستطع أن تحضر شخصاً لم يتعامل مع هذه الميليشيا، أو مع القوّات الإسرائيلية في جنوب لبنان، وتجبر القضاء ممثّلاً بهذه المحكمة الاستثنائية، على إدانته من دون وجود دليل مادي واحد ضدّه.
وفي المحصّلة، فإنّ تمديد توقيف الضبّاط الأربعة اللواءين جميل السيّد وعلي الحاج، والعميدين ريمون عازار ومصطفى حمدان، يعتبر تسوية للصراع القائم بين السياسة والقضاء تحفظ مصالح الطرفين معاً وفي آن واحد.
احتفال النبي أيلا
ولمنع استمرار هذا الاعتقال التعسفي بعد زوال أسبابه بانهيار شهادة الصدّيق، واحتجاجاً على تمسّك القضاء اللبناني به من دون تقديم البيّنة والإثباتات والوثائق التي تدعمه، أقيم لقاء تضامني مع هؤلاء الضبّاط، وبقيّة الموقوفين الأربعة، في مسقط رأس اللواء الركن السيّد، بلدة النبي أيلا في قضاء زحلة، يوم الأحد الفائت، بحضور جماهيري حاشد، تقدّمه نوّاب من كتلة "الوفاء للمقاومة" و"الكتلة الشعبية" في زحلة.
وتلا خال اللواء السيّد، عدنان أبو دية، بياناً باسم ابن أخته، حمل فيه بقسوة على النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا وقال: "نحن لم نعد معتقلين إنما نحن مخطوفون عند سلطة ظالمة يخدمها قضاة مثل سعيد ميرزا وغيره، نحن مخطوفون بقوّة عضلاتهم، وبقوّة مراكزهم، وليس بقوّة الحقّ والقانون".
وألقى رئيس المجلس السياسي في حزب الله السيد إبراهيم أمين السيّد كلمة، فقال: "أحيي الحقّ الذي يتمسك به الضبّاط الأربعة، وأتوجّه إليهم لنتضامن معهم أبرياء وليسوا متّهمين، ولسنا بحاجة إلى دليل لبراءتهم، في مقابل فريق، ليس فيه مكان للبراءة، لأنّ كلّ ما فيه هو للجريمة، ولا نحتاج إلى دليل لاتهامه، فكلّ تاريخه وحياته، جريمة، وقتل، وتزوير".
علي الموسوي
الانتقاد/ العدد1263 ـ 18 نيسان/ أبريل 2008

2008-04-18