ارشيف من : 2005-2008
فكرة الحكومة الانتقالية برئاسة سليمان ما حقيقتها ومن ابتكرها ولماذا يثيرونها!!
في خضم موجة الحديث المتصاعد عن رؤى لحل الأزمة اللبنانية، برز من خارج سياق البحث الجدي للحل فكرة ترئيس قائد الجيش العماد ميشال سليمان لحكومة انتقالية تكون مهمتها وضع قانون انتخابات جديد، والإشراف على إجراء هذه الانتخابات في موعدها المحدد سلفاً أو عبر الدعوة إلى انتخابات مبكرة.
ولم يعد خافياً أن فكرة الحكومة الانتقالية ليست جديدة على دائرة تداول الحلول، فقد طرحت في فترات ومناسبات متباعدة من قيادات لبنانية ومن وسطاء عرب هدفهم اجتراح الحلول لأزمة دخلت عامها الثاني، واستعصت على كل المبادرات وفي مقدمها المبادرة العربية التي يقول الرئيس نبيه بري إنها تجمدت في منتصف الطريق.
وألمح الرئيس بري نفسه إلى هذا الأمر عندما تكلم صراحة في الأيام القليلة الماضية عن أن المطالبة الأساسية من جانب المعارضة ستكون بعد خمسة أشهر من الآن هي حكومة انتقالية حيادية يأتي في رأس قائمة أولوياتها الانتخابات النيابية المقبلة قانوناً وتنفيذاً.
أما الحديث عن مسألة تكليف قائد الجيش بهذه الحكومة الانتقالية، فلم يعرف بالضبط مصدره لذا ما برح يحوطه الغموض ويكتنفه الالتباس؟ بل وتحاصره الشبهات خصوصاً بعد أن ارتفعت وتيرة رفض نواب ورموز فريق 14 شباط له، وكأن في الأمر كله تقصد إثارة عاصفة غبار وهمية غايتها المساهمة في تقطيع الوقت وتضييع الطريق إلى البحث الجدي عن الدخول والانخراط في دائرة البحث عن الحل من جهة، والتشويش على الجهود التي شرع الرئيس بري ببذلها في الداخل عبر دعوة الأفرقاء المعنيين إلى طاولة الحوار الوطني في مجلس النواب من جهة أخرى، وهي دعوة تزداد إلحاحاً بعد تعثر المبادرة العربية، لا سيما بعد تهرّب فريق الموالاة من تطبيقها بنصها الأصلي، أي بالسلة المتكاملة، وإصراره على بند الرئاسة أولاً، وتأجيل بقية البنود إلى مراحل لاحقة. وليس غريباً أن تأتي الإثارة المشبوهة لفكرة الحكومة الانتقالية برئاسة العماد سليمان في الوقت الذي كان الرئيس بري في جولته العربية الرامية أصلاً إلى البحث عما يحرك المبادرة العربية ويخرجها من جمودها، وتوضيح وجهة نظر المعارضة الحقيقية من هذه المبادرة لا سيما بعدما سعى فؤاد السنيورة في جولته العربية الأخيرة إلى التشويش عليها وإظهارها بمظهر المعرقل للحل، وعليه فإن ثمة ما يؤكد أن اثارة هذا الطرح (الحكومة الانتقالية برئاسة سليمان) يُدرج في خانة حملات الموالاة المستمرة لإغراق مساعي الحل الحقيقية في متاهات الأفكار الوهمية.
وليس هذا بمستغرب على هذا الفريق الذي قابل مطالبة المعارضة المحقة بالمشاركة في القرار والحكم من خلال إثارة موضوع المثالثة وابتكار الردود عليه وكأنه أمر واقع.
وهذا دأب هذا الفريق وديدنه منذ انشائه للغرفة السوداء التي صارت معروفة بالأشخاص، ومهمتها الأساس اختراع الأفكار الوهمية ومن ثم ترويجها، وبالتالي ابتكار الردود عليها.
وإذا كان أمراً متوقعاً من فريق السلطة أن يخلط الحابل بالنابل، وبالتالي يضخ الأفكار الوهمية، فإن علامات الاستفهام ما زالت تطرح حول ما سربه "زوّار" قائد الجيش العماد سليمان عن رفضه لهذه الفكرة المجهولة المصدر والهوية (حكومة انتقالية برئاسته) واعتباره إياها مخالفة لاتفاق الطائف.
وتزداد علامات الاستفهام حدة اذا ما عُلم أن المروّج لهذا الرفض وسيلة اعلامية واحدة ذات هوية معروفة، وثمة تفسيرات عدة في الأوساط السياسية لهذا الأمر كله ولملابساته وأبعاده، وواحد من هذه التفسيرات أن العماد سليمان يواصل "ضغطه" على الأفرقاء السياسيين لتذكيرهم بأنه قد سئم البقاء على قارعة الانتظار، ولتآكل رصيده من جراء بقائه رئيساً مع وقف التنفيذ، وهو الضغط الذي كان بدأه بالتصريح الذي أدلى به سابقاً وأعلن فيه أنه سيغادر منصبه العسكري في الثلث الأخير من شهر آب المقبل مستفيداً من مأذونيات تسمح له بمغادرة القيادة قبل نحو أربعة أشهر من موعد تقاعده الرسمي.
وإذا كان من حق العماد سليمان أن يعلن "الانتفاضة" على الظروف التي تحول دون بلوغه كرسي الرئاسة الأول كونه المسمى مرشحاً توافقياً لهذا الكرسي الشاغر حالياً، فإن ثمة تساؤلات بدأت "تغزو" أوساطاً سياسية عدة حول أبعاد "انخراطة" في "ورشة" فريق الأكثرية الذي أخذ على عاتقه "فبركة" الأفكار الوهمية أو الرؤى الملتبسة التي تقصد "حرق" الأفكار المعقولة التي يمكن أن تشكل لاحقاً مدخلاً حقيقياً لإنضاج تسويات تخرج البلاد من أزمتها الراهنة.
ولعل أبرز ما يحوطه الغموض والالتباس حتى الآن هو الخطاب الذي ألقاه رئيس الأركان في الجيش إبان الصلاة على جثمان مدير العمليات في الجيش العميد فرنسوا الحاج في بازليك حريصا، والذي هو بالأصل خطاب المؤسسة العسكرية.
والجدير ذكره أن هذا الخطاب قارب قضية خلافية، متبنياً ضمناً جهة نظر واحدة في هذه القضية وهي الدعوة إلى انتخاب الرئيس فوراً وإغفال بقية البنود والمطالب، خصوصاً التي ترفع المعارضة لواءها وتعدها واحدة من أبرز أسس الحل الجذري للأزمة.
ابراهيم صالح
الانتقاد/ العدد1263 ـ 18 نيسان/ أبريل 2008