ارشيف من : 2005-2008
تعطيل الانتخابات النيابية بند أساسي في أجندة السياسة الأميركية للمرحلة المقبلة: تكريس السنيورة حاكماً مطلقاً على لبنان في رأس أولويات واشنطن
مراوحة مقصودة أم سيناريو جديد تقوم سلطة الوصاية في لبنان بتنفيذه في إطار فصول عملية التعطيل الشامل للبلد؟ تساؤل تفرضه مجموعة من المعطيات القديمة ـ الجديدة على المسرح السياسي الداخلي، بدأت تتمظهر شيئاً فشيئاً مع اقتراب موعد "مبادرة الحوار" الذي حدده رئيس مجلس النواب نبيه بري في الثامن عشر من الجاري، والذي يبدو أنه لن يأخذ طريقه إلى النجاح مع عمليات القصف المنظمة التي تتولى قوى السلطة ولا سيما "تيار المستقبل" إطلاقها على المبادرة بذرائع مقولبة ومواقف مستنسخة تستهدف شخص الرئيس بري وليس مسعاه التوفيقي فحسب، والذي يعمل على تسويقه في دول القرار العربي.
السنيورة حاكماً
لا ينبع الرفض الشباطي المحاط أميركياً من دوافع سياسية داخلية أو أهداف وطنية تحاكي مطالب أكثرية الشعب اللبناني، بقدر ما هو تنفيذ مخلص وتام لإملاءات الادارة الأميركية التي تولّت وزيرة خارجيتها كونداليزا رايس إيضاحها بشكل مفهوم جداً، بحيث جاهرت "وبالفم الملآن" عن التصوّر الذي تحمله واشنطن لمجريات المرحلة المقبلة، وعنوانه استمرار إطالة الأزمة من خلال القضاء على كل المواقع التي تعرقل "تتويج" فؤاد السنيورة حاكماً مطلقاً على لبنان، وهذا لا يحصل إلا من خلال الإمعان في تعقيد الوضع الداخلي ورفض أي مبادرة للحل، لبنانية كانت أم عربية، داخلية أم خارجية.
رايس وأجندة المرحلة
جاء حديث رايس ليؤكد أولوية السنيورة ضمن حسابات واشنطن في لبنان، وخصوصاً أنه نجح في فرض وجوده كوكيل رسمي عن رئيس الجمهورية معترف به عربياً ودولياً، كما يكشف حديثها فصلاً جديداً من فصول الأجندة الأميركية، التي تأتي ضمن حلقات مترابطة في الشكل والمضمون، وتقوم على التالي:
* إبقاء حالة الفراغ على ما هي عليه وصولاً إلى موعد الانتخابات النيابية المقبلة عام 2009.
* تعطيل أي مسعى لإقرار قانون انتخابي جديد، بغض النظر عن محتوى وقواعد هذا القانون.
* العمل على إيجاد صيغة لتمديد ولاية المجلس النيابي الحالي.
* إبقاء حالة التوتر وعدم الاستقرار في الوضع الداخلي عبر تغذية الشحن الطائفي والمذهبي.
* ضرب هالة وحضور الرئيس نبيه بري لتوهين موقعه على المستويين الرسمي والشخصي.
واشنطن تعمل لإضعاف بري
وتقف خلف هذه الأهداف جملة خلفيات يأمل الأميركيون أن تحقق نتائج مهمة، في ما لو تحققت، وأهمها:
* استمرار الضغط على وتر الشارع المسيحي من خلال استمرار شغور سدة الرئاسة الأولى، وهو ما يعني الدفع باتجاه المزيد من المشاحنات والفرز السياسي على المستوى المسيحي.
* إقرار أي قانون انتخاب يحتم الذهاب إلى اعتماده وتنفيذه، وبالتالي إضعاف السنيورة على مستوى الحضور والدور وتالياً خسارة موقعه الاستراتيجي في الحسابات الأميركية، ومن هنا لا بد من عرقلة أي مسعى لهذا الأمر لقطع الطريق أمام نجاح قوى المعارضة في كسر طوق "الأكثرية النيابية" التي تتسلح بها قوى الموالاة.
* إن تمديد ولاية المجلس النيابي تحقق هدفين أساسيين لدى واشنطن، الأول: الحفاظ على "الأكثرية النيابية الشباطية" ما يكفل استمرار وجود السنيورة في سدة الحكم، والثاني: توهين موقع رئاسة المجلس النيابي بتحويلها إلى رئاسة ممدّدة بدل أن تكون رئاسة منتخبة.
* إن أي حال استقرار داخلي من شأنه أن يكسر حالة النفور الحاصلة على المستويات السياسية والشعبية والاقتصادية، وبالتالي إعطاء فرصة لتشكّل رأي عام داخلي موحّد قد يؤثر على مسار الضغط الأميركي، وهو ما لا تفضل الولايات المتحدة أن تواجهه.
* إن نجاح واشنطن في إسقاط هالة الرئيس بري وإضعاف حضوره من شأنه أن يزيل خصماً أساسياً ورئيسياً من أمام السنيورة يقف عقبة كأداء دون استباحة الأميركيين لكل مقدّرات الساحة اللبنانية ومؤسساتها الفاعلة، فضلاً عن اللعب على وتر إضعاف حضور الطائفة الشيعية التي تؤكد يوماً بعد يوم ترابط نسيجها السياسي والشعبي.
الأزمة إلى تعقيد أكبر
وبناءً على ما سبق، لا يلوح في الأفق أي ضوء قد يقود إلى نهاية النفق، والأزمة مرشحة للاستمرار والمزيد من التعقيد، خصوصاً في ظل فقدان التوجه العربي السابق لإيجاد حل في لبنان، وربط أي جهد عربي مقبل بحلحلة لبنانية داخلية، ما يجعل المسألة أشبه بمعادلة أسبقية "الدجاجة والبيضة"، بانتظار ما قد يطرأ في مستجدات السياسة الأميركية، ولا سيما أن الهمّ العربي الآن منصبّ على توفير الأجواء المريحة "لاستثمار" زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش إلى المنطقة في أيار المقبل، للمشاركة في الاحتفال بمناسبة العام الستين على إعلان إنشاء "دولة إسرائيل" العدو المفترض للأمة العربية والإسلامية!.
محمد الحسيني
الانتقاد/ العدد1263 ـ 18 نيسان/ أبريل 2008