ارشيف من : 2005-2008

نحو قواعد لعبة جديدة في قطاع غزة

نحو قواعد لعبة جديدة في قطاع غزة

كتب يحيى دبوق
قفزت الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة درجة كبيرة جدا في نوعية العمليات المنفذة من قبلها ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتسببت بمزيد من الارباك إسرائيليا، واكدت على نجاح الاستراتيجية المتبعة من قبلها، كما اكدت على انكسار كل المحاولات العسكرية وغير العسكرية التي حاولت سلطات الاحتلال فرضها على القطاع في الفترة الماضية.
وحاولت إسرائيل في الاشهر الماضية بواسطة جيشها اسقاط حركة حماس والفصائل الفلسطينية المقاومة في القطاع، وجبلت بين افعالها العسكرية وحصارها الاقتصادي والعون من بعض الدول العربية اضافة الى التهويل الاعلامي الواسع النطاق، الى درجة ان وزير الحرب الإسرائيلي ايهود باراك اعتاد على ترداد مقولة ان "الاجتياح الكامل للقطاع مسألة وقت"، اذ ان الصمود الفلسطيني، والتكتيك المتبع من قبل الفصائل العاملة على مقاومة الاحتلال في غزة، احبط محاولات إسرائيل ودفعها الى البحث عن بدائل، قد لا تكون موجودة، بل إن وجدت قد لا تكون ناجعة.

يسجل للمقاومة الفلسطينية نجاحها في دفع الإسرائيلي الى التراجع عن تهديداته، انطلاقا من التهديد بالاجتياح الكبير الواسع النطاق، مرورا بالاجتياحات الموضعية التي تسبب اخرها بمقتل العشرات من الفلسطينيين، وصولا الى سقف المواجهة في اطاراتها الموضعية ضمن قواعد لعبة غير مكتوبة تنص على الرد المتناسب، سواء من قبل الكيان نفسه، او من قبل الفصائل.
وتمثل العمليات الاخيرة المنفذة من قبل الفصائل، وعلى رأسها حركة حماس، مفصلا اساسيا وتحولا في المواجهة مع الإسرائيليين، اذ باتت العمليات اكثر تنسيقا واعدادا وتحضيرا، مع رجال يبدون انهم اكثر خبرة وتدريبا، الامر الذي صعّب على الجيش الإسرائيلي القيام بعمليات توغل داخل القطاع، وتسبب بخسائر بشرية غير معهودة للجيش الإسرائيلي، كان اخرها عملية امس الاول، حيث سقط من الإسرائيليين ثلاثة قتلى في التصدي لعملية توغل نفذتها وحدات من لواء جفعاتي، احد الوية النخبة في الجيش الإسرائيلي.
في المشهد العام، يمكن الاشارة الى ان حركة حماس، باعتبارها عماد العمل المقاوم في قطاع غزة، سقّفت الاعتداءات الإسرائيلية الى حدود مانعة عن القيام بعدوان واسع النطاق، وفرضت معادلة الصواريخ التي تصل الى مدينة عسقلان شمال القطاع.
من جهتها، تبدو حماس في المرحلة الحالية في وضع اكثر راحة من المرحلة السابقة، التي عملت فيها إسرائيل على اسقاطها بوسائل شتى، بدءا من الحصار الاقتصادي وصولا الى الاجتياح الموضعي الذي كان من المقرر ان يتحول الى اجتياح كامل للقطاع، لولا صمود المقاومين الفلسطينيين وتوفيرهم تأكيدا عمليا وميدانيا على ان اجتياح غزة لن يكون سهلا وسيكلف الإسرائيلي اثمانا اكثر بكثير مما كان يعتقد. وبعبارة اخرى، كسبت حركة حماس والفصائل الفلسطينية المقاومة الاخرى في القطاع جولة المواجهة الاخيرة، واستطاعت رسم معادلة حاولت "إسرائيل" ان ترسم غيرها بالدماء الفلسطينية.
اما من جهة "إسرائيل"، فكانت نتائج المواجهة الاخيرة، والتي ما زالت مستمرة الى الان، محطمة للطموحات الإسرائيلية، اذ لم تعد التوغلات في القطاع "نزهة"، بل اصبح من اللازم على مبلوري القرار العسكري في الكيان اخذ الخسائر المتوقعة والمؤكدة ميدانيا في حسبانهم لدى تحديد السياسات العسكرية ضد الفلسطينيين.
انكسار "إسرائيل" في المواجهة الاخيرة، اعاد تل ابيب الى نقطة الانطلاق الاولى، لكن في هذه الحالة من دون بدائل حقيقية، ومن دون سيناريوهات واقعية تهدد بها الفلسطينيين..
يضاف الى كل ذلك، واقع الادارة الاميركية التي تسعى في اخر ايامها، الى مشهد فلسطيني إسرائيلي يجلس بموجبه كل من رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود اولمرت، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الى طاولة واحدة برعاية اميركية لتوقيع اتفاق ما، بات من الواضح انه سيكون اتفاق اطار، ما يتيح للرئيس الاميركي جورج بوش القول انه استطاع ان ينجح في شيء ما خلال ولايتيه، برغم ان اتفاق الاطار يعني من ناحية عملية ان السلطة و"إسرائيل" قد اتفقتا على وجوب الاتفاق، وبكلمات اخرى اتفاق من دون مضمون.
ويشكل المسعى الاميركي، الموكل بلورته الى وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس، ضغطا كبيرا على مبلوري القرار الإسرائيلي، ويسلب منهم الحرية المتروكة لهم في اتخاذ القرارات العسكرية، بعد المعادلة المقررة حاليا من قبل قواعد اللعبة الجديدة، التي نجحت صواريخ المقاومة في اقرارها اخيرا.
في المحصلة، يبدو المشهد في الساحة الفلسطينية اكثر راحة بالنسبة للفصائل الفلسطينية المقاومة في قطاع غزة، بينما تأمل القيادة الفلسطينية الرسمية (محمود عباس ورئيس وزرائه سلام فياض) الحصول على فتات اتفاق مع "إسرائيل" برعاية اميركية، من غير المعلوم كيف يمكنها ان تسوّقه امام شعبها، اذ لا يُبقي الاتفاق العتيد أيا من الحقوق الفلسطينية، وخاصة ان الحديث الحالي يتمحور حول اسقاط حق العودة وعدم الحديث اطلاقا عن القدس، اضافة الى تأجيل المحادثات فيما يتعلق بالمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.
الانتقاد/ العدد1263 ـ 18 نيسان/ أبريل 2008


2008-04-18