ارشيف من : 2005-2008

حدث في مقالة: هل تكون التجاذبات الداخلية بديلاً عن الحرائق الكبيرة؟

حدث في مقالة: هل تكون التجاذبات الداخلية بديلاً عن الحرائق الكبيرة؟

كتب مصطفى الحاج علي
صولات وجولات في المنطقة: قمم ثنائية وثلاثية، لقاءات مكوكية بين ملوك وزعماء عرب، مؤتمرات ذات طابع اقليمي ـ دولي، مفاوضات معلنة وغير معلنة تشمل ملفات المنطقة الرئيسية بدءاً من الفلسطيني ومروراً بالعراقي فالنووي ـ الإيراني، وأخيراً مواجهات أمنية وعسكرية في فلسطين والعراق، وحوادث هنا وهناك، إلى جانب تقارير أممية، وزيارات لشخصيات اميركية يمكن ادراجها في سياق التحضير لمرحلة ما بعد العهد البوشي وإدارة المحافظين الجدد للسياسة الخارجية الأميركية.
وسط هذا الزحام الاقليمي والدولي تبدو الأزمة اللبنانية وقد هبطت درجة الاهتمام بها إلى مراتب دنيا، الأمر الذي أدخل المبادرة العربية في ثلاجة الانتظار منذ انعقاد القمة العربية، وأحال احتمالات زيارة عمرو موسى إلى لائحة انتظار طويلة، محولاً كل الكلام عنها إلى مجرد جرعات أمل موهومة ليس إلا، وفي المقابل لا لقاء لوزراء الخارجية العرب كما كان يأمل رئيس الوزراء اللاشرعي فؤاد السنيورة، ولا قمم ثنائية أو مصغرة خاصة للبنان، ولا طاولة حوار الرئيس بري باتت تحمل على ظهرها أية مشتهيات تجذب من يجب أن تجذبه.
اذاً هو الانتظار الثقيل، من دون أن يعني ذلك أن الأمور ستبلغ حرارتها درجة الصفر المطلق، بل على العكس من ذلك تماماً ثمة ما يشير، ونظراً للترابط الديناميكي بين مجمل أوضاع وملفات المنطقة، الى  أن لعبة التجاذب والسجال والعمل على تغيير التوازنات ستنطلق هذه المرة بأيدي اللاعبين المحليين. ولرسم صورة واضحة لمسار الأمور، لا بد، بادئ ذي بدء، من تسجيل الملاحظات التالية:
أولاً: يبدو بالفعل أن خيار الحرب في المنطقة قد طوي اميركياً واسرائيلياً لاعتبارات كثيرة باتت معروفة، الأمر الذي يعني:
أ ـ ان لعبة التغييرات الكبرى والحاسمة باتت مؤجلة ولم يحن أوانها بعد، ما يعني بدوره أن اللاعبين الكبار هم اليوم في مرحلة مراجعة الأدوار والاشراف عليها، أكثر مما هم في مرحلة مباشرتها، وهذا يعني  أيضاً، أن المرحلة الحالية هي مرحلة اللاعبين الداخليين بإسناد من اللاعبين الكبار الخارجيين.
ب ـ إن التغييرات في مجمل الخريطة ـ الجيوسياسية والجيواستراتيجية للمنطقة مستبعدة اليوم، والسعي لإحداث تغييرات في الخريطة الجيو ـ سياسية والتوازنات الداخلية ليس مستبعداً بالضرورة، وذلك بالانشداد إلى ملاقاة ساعة التغييرات الحاسمة عندما يحين موعدها، والضابطة الوحيدة هنا تبدو ماثلة في أن يكون التغيير سياسياً ومضبوطاً بما يحول دون تدهور الأمور إلى مواجهات شاملة تتناقض مع الخط السياسي العام المرسوم.
ثانياً: ان الأولويات الاميركية اليوم ليست لبنانية، فهي:
أ ـ ايرانية لجهة ضبط الملف النووي عند حدود معينة لا يتجاوزها.
ب ـ إعادة رسم التوازنات السياسية داخل العراق في مواجهة ما تعتبره نفوذاً ايرانياً واسعاً لم يكن بالحسبان، ترتكز عملية رسم التوازنات هذه على استراتيجية مثلثة الأضلاع: صياغة ائتلاف سياسي جديد كردي ـ سني + بعض الشيعة، اضعاف الموقع الشيعي من خلال افتعال الصراع الداخلي في ما بين قواه الأساسية، وبالاستناد إلى لعبة الصراع على السلطة وقرارها، توفير مرتكزات حضور لدور عربي ـ اميركي يوازن الدور الايراني، والممر الرئيسي لهذا كله هو الحروب الداخلية، ودماء العراقيين.
ج ـ منح قوة دفع قسري للمسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي وصولاً إلى صياغة اعلان سياسي للحل، يوفر غطاء وورقة في ايدي عرب التسوية يواجهون بها حركات المقاومة، ويمهدون بها الطريق أمام عملية تطبيع واسعة على حساب حق العودة للفلسطينيين تحديداً، وتؤسس موضوعياً لصياغة تحالف اميركي ـ بعض عربي واسرائيلي في مواجهة ايران وسوريا ومحور المقاومة عموماً، خصوصاً بعد المساعي المضنية المبذولة اعلامياً وسياسياً لتأكيد ان "اسرائيل" لم تعد هي العدو، وإنما ايران هي هذا العدو، وتحميلها مسؤولية كل ما يجري في المنطقة. اضافة إلى ذلك، توفير المبرر السياسي وبغطاء اميركي وبعض عربي واسرائيلي لحرب فلسطينية ـ فلسطينية.
د ـ ما تريده واشنطن في المدى القريب تمرير احتفالية الذكرى الستين لنشوء الكيان الاسرائيلي بهدوء.
هـ ـ ابقاء الحصار العربي وبعض الدولي على سوريا، والعمل على المساس باستقرار النظام الداخلي عبر الضرب أيضاً على الوتر المذهبي.
كل ما تقدم، يشير الى أننا لسنا أمام مرحلة هدوء سياسي وأمني في المنطقة، بقدر ما أننا أمام مرحلة تشهد شدة في التجاذبات، وإعادة ترتيب التحالفات، والتوازنات، في سياق وظيفة محددة تتمثل بنقل المنطقة بكل ملفاتها إلى العام 2009 حيث تكون حينئذٍ من مسؤولية ادارة اميركية جديدة.
في هذا الإطار الشامل يجب النظر إلى واقع الأزمة اللبنانية الحالية، حيث المطلوب، كما يبدو، التالي:
أولاً: منع انزلاق الأمور نحو تطورات دراماتيكية حاسمة تطيح بما هو قائم لمصلحة واقع جديد.
ثانياً: المحافظة على ما هو قائم، بمعنى ابقاء الحكومة الحالية لمصلحة رجلها الأول السنيورة، ومنع انتخاب رئيس جديد للجمهورية من مدخل تسووي، حرصاً على أن بعض فريقها ذو صفة أكثرية واستئثارية.
ثالثاً: السعي لإحداث تبديل في المعادلة التي تحكم الساحة المسيحية من خلال شن هجوم مكثف على التيار الوطني الحر لإضعافه كتيار، ولإضعاف البعد المسيحي للمعارضة من جهة، ولإضعاف تمثيله الانتخابي على المدى البعيد، بما يحافظ على الطابع الأكثري النيابي للموالاة.
رابعاً: بذل كل ما يمكن لمنع أي عملية تصدع في جسم الموالاة.
اذاً، نحن أمام لعبة اميركية واحدة، لكن هل سيصلح العطار الاميركي ما أفسده دهر هذه الإدارة، المكتوب يُقرأ من عنوانه.
الانتقاد/ العدد1264 ـ 25 نيسان/أبريل 2008

2008-04-25