ارشيف من : 2005-2008

ثقافة الحياة من وهم المقابر الجماعية؟!

ثقافة الحياة من وهم المقابر الجماعية؟!

ثمة شعارات خشبية حقاً تعتمد على تقنية نفسية واحدة هي التكرار الدائم على الطريقة الأميركية في محاولة لإحلال المقولة المكررة محل الحقيقة السابقة. من هذه الشعارات، مقولة "ثقافة الحياة" و"حب الحياة" التي رفعها جماعة 14 آذار كما يسمون أنفسهم، وذلك بعد حرب تموز مباشرة، وبعد أن صدم الاسرائيليون  بإرادة الحياة التي عبّر عنها الشعب اللبناني ومقاوموه خصوصاً، في المناطق التي تعرضت للعدوان.
وكان أبرزها عدم الخوف من الموت وتقبّل الشهادة كمقدمة لحياة الأمة والأفراد عزيزين غير أذلاء. ثمة حقائق بعضها معلن ومعروف وبعضها يعرفه فقط أصحاب الاختصاص تسجل على هامش حملة "حب الحياة".
1 ـ لماذا أوكلت الحملة الاعلامية لبعض الشركات التي تنسق مع السفارة الاميركية، في الترويج لثقافة الحياة، وكيف أن بعض هذه الشركات تتلقى تمويلاً أميركياً لبعض نشاطاتها ومواقعها الالكترونية، وما هي الاستفادة الاميركية من الحملة المذكورة. بعد فشل حرب تموز، أرادت الحملة الدعائية لثقافة الحياة المزعومة أن تصنف اللبنانيين بين قسمين: واحد يحب الحياة، وبالتالي فهو يستحقها، وهو اللبناني الذي ينسق مع الاميركي ويعيش حياة غربية استهلاكية، وهنا يأتي دور جماعة 14 آذار وبعض إعلامييهم ورجالات دين وثقافة (محدلة) ممن ظهروا في كليبات ثقافة الحياة الدعائية للتبشير ببضاعتهم المدفوع ثمنها سلفاً.
والقسم الثاني هو اللبنانيون الذين لا يحبون الحياة، بل يحبون الشهادة والموت، وبالتالي فهم يستحقون الموت ولا يستحقون الحياة، لذلك فهم يستحقون القتل سواء على أيدي الاسرائيليين أو الاميركيين، أي أن اللبنانيين الذين يقاتلون دفاعاً عن وطنهم ضد العدوان الاميركي ـ الاسرائيلي هم اختاروا هذا الطريق، وبالتالي فهم يستحقون أن يقتلوا، ولا ذنب على الاميركي والاسرائيلي لأن هذا الصنف من اللبنانيين ليسوا لبنانيين أصليين (يحبون الحياة) هم يحبون الاستشهاد، وعلى هذا فإن المطلوب من جماعة 14 آذار أن يلغوا من الوجود السياسي كل واحد مختلف عنهم لا يحب الحياة، وهذا ما قالوه في "وثيقة البيال" التي قسمت اللبنانيين إلى أتباع ثقافتين لا يمكن الجمع بينهما، أي أنهم يريدون الغاء القسم الآخر من اللبنانيين لأنه لا إمكان لتسوية بين الثقافتين، هكذا يكون هدف حملة ثقافة الحياة هو تبرير إلغاء الصنف الآخر (أي الغالبية) من اللبنانيين عبر توجيه الاتهام لهم بأنهم غير لبنانيين، أي أنهم ايرانيون وسوريون أو على الأقل أدوات المحور السوري ـ الإيراني.
2 ـ إن رموز ثقافة الحياة هم أسوأ الرموز في لبنان ممن لا يمكن تسويقهم في أي حملة حتى ولو دفعت أميركا كل موازنتها لتبييض وجوه هؤلاء، ولنأخذ مثالين فقط من رموز 14 آذار، هما سمير جعجع ووليد جنبلاط، فكلا الرمزين كانا اتهما بعضهما الآخر قبل سنوات فقط بارتكاب عشرات المقابر الجماعية في حرب الجبل وحدها (1983 ـ 1984) اتهم سمير جعجع والقوات الحزب التقدمي الاشتراكي بأنه ارتكب عشرات المجازر بحق المسيحيين في كفر نبرخ وقرى الشوف وعاليه، وأن جنبلاط ذبح الأطفال والمسنين جميعاً ودفنهم في مقابر جماعية ضمت الآلاف، إلى درجة أنه لم يبق لديه أي أسير، وأن الحزب الجنبلاطي هو الوحيد الذي ليس لديه أسرى في الحرب اللبنانية لأن ميليشياته كانت تقتل كل الأسرى بلا رحمة ولا شفقة.
أما جنبلاط وحزبه فقد اتهما سمير جعجع بارتكاب المجازر في الحرب نفسها في كفرمتى وعبيه والشحار إلى كل الجبل بمساعدة الاسرائيليين، ووصف جنبلاط نفسه سمير جعجع بأنه قاتل رشيد كرامي، وقال في خطاب تأبين رئيس الوزراء الشهيد عن جعجع بأنه "الماعز الجبلي"، ولاحقاً اتهم الحزب التقدمي "القوات اللبنانية" بارتكاب مجازر صبرا وشاتيلا وقتل آلاف الفلسطينيين واللبنانيين، وأن جماعة سمير جعجع قتلوا أيضاً مئات المسيحيين ودفنوهم في مقابر جماعية، هذا عدا عن صورة جعجع القضائية المدان بقتل داني شمعون وآخرين في القوات والجيش اللبناني، ودفن الجنود في مقابر بدأت تكشف الآن.
اذاً: اذا راجعنا معلومات كل من جنبلاط وجعجع عن بعضهما فقط لكان واضحاً للجميع أن حفّاري المقابر الجماعية ودافني آلاف اللبنانيين فيها ليسوا بمؤهلين لتمثيل ثقافة الحياة لا في لبنان ولا في أميركا، لأن دعاية العطار لن تصلح ما أفسده الدهر والحقيقة من وجوه ارتبطت بالمقابر الجماعية، فكيف إذا كانت ارتباطات هؤلاء هي مع القتلة الدوليين مدمني الحروب من أمثال جورج بوش وديك تشيني ودونالد رامسفيلد وبول وولفوفيتز و.. ابرامز وبالتحديد جون بولتون عدو الفلسطينيين وحامل وسام أكثر مؤيدي اسرائيل تحمساً من "الايباك" الذي كرمه جماعة 14 آذار من تيار المستقبل والقوات وبعض صغار 14 آذار من نواب سابقين وحاليين، (بالمناسبة بين تكريمي جماعة ايباك الصهيونية وجماعة 14 آذار ثورة الأرز لجون بولتون فترة تعد بالشهور فقط).
ثقافة الحياة يمثلها هؤلاء الاميركيون على الصعيد الدولي، واذا أضفنا اليهم السفير نيفروبونتي المسؤول عن تصفية 5 آلاف شخص في اميركا اللاتينية وحدها بالفرق الخاصة الممولة اميركياً عدا عن دوره في الاغتيالات والتفجيرات المروعة في العراق، لعرفنا كم حجم الاموال الاميركية المطلوبة لتحسين صورة جماعتهم في لبنان وصورتهم هم في العالم بعد ان حولوه إلى مقبرة متنقلة من افغانستان إلى العراق والصومال وشرق آسيا وتشيلي واميركا اللاتينية، فعلى غرار لبنان لا تأتي ثقافة الحياة من سفاحي المقابر الجماعية ولا تأتي ثقافة الحياة على السعة الدولية من سفاحي الحروب والمقابر المتنقلة من بلد إلى بلد.
حسين رحال
الانتقاد/ العدد1264 ـ 25 نيسان/أبريل 2008

2008-04-25