ارشيف من : 2005-2008
نقطة حبر: التغيير من الداخل
كلنا يطلب التغيير وينشده، بل ويشدو له بأعذب القصائد وأشجى الألحان، من منّا لم تحدثه نفسه بمراقبة نفسه وإصلاح أمرها وإصلاح مجتمعه، إننا نزعم أننا ورثة التغيريين عبر التاريخ، التغيير نحو الأفضل، سعياً نحو الكمال الفردي والمجتمعي، وإذا كان الكمال لله وحده وفقاً للرؤية الإسلامية فإن السعي في نهاية المطاف هو نحو الله جل شأنه (سفر الخلق نحو الحق) حسب الملا صدر المتألهين الشيرازي.
باسم التغيير قامت الثورات وحيكت المؤامرات والدسائس ووقعت الانقلابات وأقيمت المشاريع الطموحة للإدارات السياسية والمؤسسات الاقتصادية والمجالس الثقافية، وبهدف التغيير كتبت القصائد الشعرية والأعمال الأدبية والمسرحية، وعند هذه الأخيرة أتوقف لأستشهد بمسرحية "الرجل هو الرجل"، لـ"برتولد بريخت" وهي من أكثر الأعمال المسرحية التي تناولت مفهوم التغيير بأسلوب يتوافق مع نظرات بريخت السياسية والايديولوجية التغييرية التي ترى الإنسان معطى متغيراً بحسب الظروف والبيئة والرغبات والاتجاهات وليس كمعطى ثابت منجز. تحكي المسرحية قصة السيد "غايلي غاي" الذي يقول لزوجته إنه ذاهب لشراء سمكة للغداء، وبينما كان في طريقة يعترضه ثلاثة من الجنود فارين عائدين من سرقة قاموا بها في أحد المعابر، وكلفتهم خسارة رفيق رابع لهم كان معهم هو جيرايا جيب.
ولمّا كانت مطاردة سدنة المعبد لهم كان لا بد لهؤلاء من أن يضموا اليهم أي غريب يلتقونه كي يعودوا أربعة، وكان هذا الرابع هو السيد غايلي غاي الذي استطاع أن يتحول إلى "جيرايا جيب" بمجرد أن انتقل حذاء جيب مقابل بعض السجائر وزجاجات الجعّة، التغيير عند غاي بدأ منذ انتعل الحذاء.
التغيير عنده انتقل من الشكل إلى المضمون، اعتبر غاي أنه لا يمثل شخصية "جيب"، بل صار جيب نفسه. وفي الختام تقبض الشرطة على غاي على اعتبار أنه جيب، ويحاكم وتسوّى الأمور، يمتنع الإشكال بين المعبد والمعسكر.
يشير بريخت إلى نقطة بالغة الأهمية هي التغيير من الداخل التي يعبّر عنها القرآن الكريم بعبارة رائعة: "إن الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم".
حسن نعيم
الانتقاد/ العدد1264 ـ 25 نيسان/أبريل 2008