ارشيف من : 2005-2008

المؤتمرات الدورية حول العراق: محاولة أميركية لمحو الفشل

المؤتمرات الدورية حول العراق: محاولة أميركية لمحو الفشل

ما الذي تريده الولايات المتحدة من تنظيم مؤتمرات دورية لدول جوار العراق بمشاركة دولية واوروبية؟
اذا كان المطلوب دعم خطواتها في هذا البلد لاظهار انه تحقق شيء ما جراء غزوها لهذا البلد واخرجته من مرحلة الى اخرى، ما من شأنه ان يخرجها من مأزقها ومن الاسئلة الصعبة التي تواجهها سواء من الرأي العام الاميركي الذي يرفض اثنان من ثلاثة منه الاستمرار في احتلال هذا البلد، او من الدول الحليفة في المنطقة التي وجدت نفسها الخاسر الاكبر من هذا الغزو جراء ما تسميه السيطرة الايرانية على العراق، فان المؤتمرين الذين عقدا في شرم الشيخ اولا واسطنبول ثانيا لم يخرجا سوى بقرارات بقيت حبرا على  ورق دون ان يسلكا طريقهما الى التنفيذ، وهو ما استدعى حثا صريحا وواضحا من رئيس الوزراء العراق نوري المالكي للدول المعنية، خصوصا الخليجية منها الى الالتزام بتعهداتها بشطب ديونه والتنازل عن التعويضات الناجمة عن غزو العراق فضلا عن فتح سفارات لها في بغداد، وهو ما لم يحصل حتى الساعة، بحيث تبدو النتائج العملية بعيدة عن الساحة العراقية لتصب في اتجاه آخر.

فالولايات المتحدة تجري مقاربة للملف العراقي من باب مأزقها الاستراتيجي في الشرق الاوسط ككل في ضوء حروبها التي شنتها في المنطقة بدءا من افغانستان مرورا بالعراق الى حرب لبنان الثانية في تموز التي شنتها "اسرائيل" بالإنابة، وتربط الملفات الساخنة ببعضها البعض بانتظار بلورة خياراتها. من هنا فإن عين واشنطن على هكذا اجتماعات ليس على العراق بما يمكن ان تتيحه من مكتسبات ايجابية لمصلحة الوضع القائم، بقدر ما تركز على كيفية الحفاظ على مصالحها المتزعزعة والمهددة بفعل سياساتها التي اثبتت إخفاقها حتى الان، وهي لذلك تريد ان يكون هذا المؤتمر فرصة من اجل اجراء لقاءات مع من لا تستطيع ان تلتقيهم بشكل ثنائي، اي الايرانيين، حصراً، وخصوصا ان طهران مرتبط اسمها بقوة بخط يبدأ من برنامجها النووي ويمر بالعراق بقوة ثم الملف الفلسطيني بمتشعباته كافة، وصولا الى الملف اللبناني، فضلا عن انعكاس التحالف الاستراتيجي الايراني السوري على مجمل هذه الملفات والساحات، ليبدو صراع القوى هذا هو محل الاهتمام الاميركي الحقيقي لما سيحتمه من تغييرات في واقع القوى المؤثرة على الخارطة الاقليمية فضلا عن الدولية في ضوء الانتكاسات المتتالية للقوة الاميركية المتراجعة.
من هنا حظي الاجتماع الوزاري الموازي "غير الرسمي" بين نحو 15 وفدا من دول غربية وعربية اضافة الى عدد من المؤسسات الدولية والذي خصص للبنان باهتمام ربما فاق الاهتمام بالموضوع الرئيس اي العراق، حيث بدت واشنطن ومعها باريس معنيتين بطمأنة فريقهما في لبنان بعدم اقتراب موعد المقايضة عليه، ذلك ان هذا الفريق اللبناني يتوجس خيفة من كل لقاءات تجمع على طاولة واحدة الاميركيين مع الايرانيين والسوريين. لكن المفعول الايجابي ربما يتلاشى سريعا لمحاولة الطمأنة هذه عندما يتم رصد الاجتماعات الجانبية المعلنة وغير المعلنة بين المشاركين والتي هي بيت القصيد في الحقيقة، كما حصل بين وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير الذي طلب لقاء مع نظيره السوري وليد المعلم لبحث الملف اللبناني، وعقداه في اجواء ودية وايجابية لفتت الصحافيين الذين كانوا حاضرين، وان جاءت التصريحات اللاحقة "الساذجة" كالعادة لكوشنير لينفي فيها ان يكون لقاؤه كسرا لقرار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عدم اجراء اي لقاء عالي المستوى مع دمشق قبل اجراء الانتخابات الرئاسية اللبنانية، والذي اتخذه الاخير على خلفية اتهامه لسوريا بعرقلة هذه الاتهامات. كما ان كوشنير لم يكن ذكيا بما يكفي ليقول ان لقاءه المعلم، غير زيارة دمشق/ انما يحصل في اطار منتديات دولية، وهو امر فيه قدر من الخفة لمن يعرف بقواعد العمل السياسي والديبلوماسي، حيث لا تبحث عادة القضايا الجوهرية ولا تحل العقدة عبر زيارات بين العواصم المعنية بقدر ما تحصل في اروقة هكذا لقاءات ومنتديات تكون اكثر فاعلية عادة.
وعليه فإن ما خرج به الاجتماع حول لبنان من دعوة فورية لانتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للبنان ثم البحث في تشكيل الحكومة وقانون الانتخابات النيابية، بدا خطوة اضافية نحو تدويل الازمة واخراجها من سياقها العربي عبر نسف مبادرة الجامعة العربية وفق ما خلصت اليه سوريا التي لم تدع الى الاجتماع الا في اللحظات الاخيرة ورفضت كما حصل في اسطنبول حضور هذا اللقاء لانه كان يفترض ان تدعى بطريقة لائقة كما حصل مع بقية المدعوين مع ميزة اضافية لها انها جار لبنان الوحيد في المؤتمر والمتهم الاول بعرقلة الحل فيه من قبل هؤلاء.
على اي حال بمعزل عما يشكله هذا الاجتماع من تاثير على مسار الاتصالات الجارية بشان لبنان والمدى التصعيدي الذي يمكن ان تاخذه ازمته في ضوء حجم التدخل الدولي، فان الخلاصة التي خرج بها مؤتمر جوار العراق هو مزيد من القرارات الورقية حول العنوان الرئيس للمؤتمر، في حين ان النتيجة الاهم هي كسر الجليد بين دمشق باريس برغم محاولة الاخيرة التقليل من اهمية لقاء كوشنير المعلم، الى جانب الاتصالات الجانبية التي جمعت الوزير الفرنسي مع نظيره الايراني منوشهر متكي او الاخير مع نظيره السعودي سعود الفيصل، وفي كلها لبنان حاضر رئيس في المداولات، اضافة الى العراق طبعاً، مع ما يمكن ان تحمله من نتائج يمكن ان تظهر تباعاً وتحتاج كالعادة الى مزيد من الوقت ربما يشكل المؤتمر الرابع الذي تقرر عقده في بغداد دون تحديد موعد له فرصة لتظهير بعض ما حصل في كواليس لقاءات الكويت.
عبد الحسين شبيب
الانتقاد/ العدد1264 ـ 25نيسان/ أبريل 2008


2008-04-25