ارشيف من : 2005-2008

اجتماع دول الجوار في الكويت.. مصارحة ومكاشفة لتصحيح المسارات الخاطئة

اجتماع دول الجوار في الكويت.. مصارحة ومكاشفة لتصحيح المسارات الخاطئة

بغداد ـ عادل الجبوري

عاد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مرتاحا الى حد كبير بعد زيارته "المثمرة" بحسب وصفه الى بلجيكا، او بتعبير ادق الى الاتحاد الاوروبي، فقد وجد هناك من يصغي اليه باهتمام ويتفاعل مع ما يقوله، ويؤكد على دعم ومساندة التجربة الديمقراطية الجديدة في العراق، بعد عقود من الاستبداد والديكتاتورية والتسلط.
ولكن صورة المشهد في الكويت قد لا تكون متطابقة - او حتى متشابهة بدرجة كبيرة - مع صورة المشهد في بروكسل، وهذا ما عكسته مضامين ومفردات الكلمة التي ألقاها المالكي في الجلسة الافتتاحية لاجتماع وزراء خارجية دول الجوار العراقي الذي بدأ اعماله صباح يوم الثلاثاء الماضي.
فمن بين ما قاله رئيس الوزراء العراقي امام الوفود المشاركة في الاجتماع، واغلبها عربية "اننا كنا نتوقع ان تقابل الرغبة الصادقة والاكيدة بتحسين العلاقات مع دول الجوار ومحيطنا العربي والاقليمي, بخطوات ايجابية، كما هو عهدنا بأشقائنا واصدقائنا، ولكن بقيت سياسات التدخل في شؤوننا الداخلية قائمة وآثارها واضحة في تأجيج العنف وتغذيته سياسيا وإعلاميا وماليا وعبر فتاوى التكفير وتدريب الارهابيين".
ومن بين ما قاله ايضا "إننا لم نشهد خطوات جدية كبيرة لتفعيل قرارات وتوصيات المؤتمرات السابقة، وان ايماننا بأن الأمن منظومة متكاملة، وإن العراق الآمن والمستقر سيكون في مصلحة دول المنطقة والعالم، لا يعني أن يدفع العراق وحده ثمن مواجهته للارهاب وأن يبقى الاخرون في موضع المحايد".
ومن بين ما قاله كذلك "ان التعهدات والالتزامات التي سمعناها من اشقائنا لم تدخل حيز التنفيذ، في وقت أقدمت دول عديدة على شطب ديونها مع اننا لا نرتبط معها بروابط التاريخ والثقافة المشتركة".
و"من الصعب علينا ان نجد تفسيرا لعدم استئناف التبادل الدبلوماسي مع العراق الذي تخلص من النظام الديكتاتوري، وهي مبادرة كنا نتوقعها منذ وقت، ولم تتحقق حتى الان، مع أن دولا أجنبية عديدة احتفظت ببعثاتها الدبلوماسية في بغداد ولم تتذرع بالاعتبارات الأمنية".
"ومع احترامنا وتقديرنا لمبدأ التشاور والحوار وتبادل الافكار والاراء والاطروحات التي تتعلق بآفاق التعاون والتكامل بين دولنا، ندعو ان لا يفكر احد بالنيابة عن الاخر في ما يتعلق بشؤونه الداخلية.. ان العراق يرفض اية وصاية تفرض على نظامه السياسي ومستقبل شعبه ويقبل مبدأ التعاون والتكامل مع الاصدقاء والاشقاء".
ولا يخرج ما تناوله نوري المالكي في كلمته في الكويت عما تناوله نائب الرئيس العراقي الدكتور عادل عبد المهدي في كلمته في مؤتمر القمة العربية الثانية والثلاثين في العاصمة السورية دمشق اواخر شهر اذار/ مارس الماضي.
ولا شك ان ذلك يعكس قدرا كبيرا من الاحباط والاستياء في الاوساط والمحافل السياسية العراقية والشارع العراقي من التعاطي العربي مع العراق بعد الاطاحة بنظام صدام قبل خمسة اعوام، ذلك التعاطي الذي اتسم بالازدواجية وتناقض المعلن من المواقف مع المخفي والمستتر منها، وانعكس بوضوح من خلال الدعم والتمويل والاسناد للجماعات المسلحة القادمة الى العراق عبر الحدود، او التي نشأت في داخله، من قبل اطراف عربية وغير عربية عديدة، انطلاقا من اهداف ودوافع تمحورت حول شعار التصدي للاحتلال ومساعدة العراق على استعادة استقلاله وسيادته، بيد ان سياقات ومسارات الوقائع كانت تشير الى امور مختلفة تمام الاختلاف عن مضامين وجوهر ذلك الشعار.
ولم تكن الرؤية العراقية غامضة او مشوشة بشأن الطريقة الواقعية والمثلى التي يمكن من خلالها للعرب وكل جيران العراق ان يساعدوه في انهاء الاحتلال وعودته كعنصر فاعل ومؤثر وايجابي في واقعه ومحيطه العربي والاقليمي، ولم يترك العراقيون فرصة او مناسبة الا اوضحوا فيها رؤيتهم واكدوها، ومفاد تلك الرؤية ان دعم العملية السياسية في العراق ومساعدة الحكومة العراقية في مواجهة الارهاب والجماعات الخارجة عن القانون، وتعزيز الاقتصاد العراقي، ومعالجة المشكلات السياسية والامنية والاقتصادية المختلفة، هو الخيار الافضل والامثل للوقوف الى جانب العراق، حيث ان معطياته واثاره الايجابية لن تعود وتنعكس عليه هو فقط، بل على كل مكونات المحيطين العربي والاقليمي.
ولعل العراق وجد خلال شهر واحد تقريبا اربع مناسبات مهمة لمصارحة العرب وجيرانه الاخرين، الاولى، انعقاد مؤتمر اتحاد البرلمانيين العرب في العراق، وتحديدا في مدينة اربيل الكردية في العاشر من شهر اذار/ مارس الماضي، والثانية مؤتمر القمة العربية العادية الثانية والثلاثين في العاصمة السورية دمشق اواخر شهر اذار الماضي، والثالثة، الاجتماع الثاني للجنة التنسيق والتعاون الامني لدول الجوار العراقي المنبثقة عن مؤتمر شرم الشيخ الذي عقد هو الاخر في دمشق في الثالث عشر من شهر نيسان/ ابريل الجاري، والمناسبة الرابعة تمثلت بالاجتماع الوزاري لوزراء خارجية دول الجوار وبمشاركة دولية واسعة، اذ بلغ عدد الاطراف المشاركة ثلاثة وعشرين، من بينها الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن، ومنظمة الامم المتحدة، ومنظمة المؤتمر الاسلامي، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الاوروبي.
وقد بدا واضحا حرص العراق على الحضور بقوة للاجتماع وطرح المسائل بكل وضوح وشفافية وصراحة، فقد ترأس الوفد العراقي رئيس الوزراء نور المالكي، ومثلما اكد وزير الخارجية العراقية هوشيار زيباري بأن "زمن المجاملات مع الاشقاء والاصدقاء قد انتهى، وحان الوقت للمكاشفة والمصارحة ووضع النقاط على الحروف"، وبالفعل فإن كلمة المالكي انطوت على قدر كبير من الصراحة الممتزجة بلوم وعتب واتهام بالتقصير والتلكؤ والتحجج بذرائع لا يمكنها الصمود أمام الوقائع الماثلة على الارض، ناهيك عن النقاشات في الدوائر والصالات المغلقة خلف الكواليس وبعيدا عن الاضواء، التي يقول البعض انها كانت على قدر اكبر بكثير من الصراحة والوضوح.
وقد اثمر التحرك العراقي عن نتائج ومعطيات ايجابية، انعكس بعضها من خلال اعلان اطراف عربية عن اعادة فتح سفاراتها في بغداد في وقت قريب، مثل البحرين والكويت، وكذلك المملكة العربية السعودية، وبهذا الشأن قال العراقيون لاشقائهم هناك اكثر من ثلاثين سفارة لدول اجنبية في بغداد، قسم منها موجود في داخل المنطقة الدولية (الخضراء) وقسم اخر خارجها.
وانعكست نتائج ومعطيات ذلك التحرك، عبر اجماع كل الاطراف المجتمعة في الكويت على دعم الحكومة العراقية في مواجهة الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون، كما جاء في البيان الختامي، وهو اشارة واضحة الى حد كبير على تأييد الاجراءات والعمليات العسكرية الاخيرة للحكومة العراقية في محافظة البصرة ومحافظات عراقية اخرى، وعلى الدعم الكامل للعراق وشعبه وجهود الحكومة العراقية ومجلس النواب لانجاز اهداف الشعب العراقي بشكل سريع وحازم، وادانة كافة اعمال الارهاب في العراق، والدعوة الى الوقف الفوري لجميع هذه الاعمال، ومساعدة الحكومة العراقية في جهودها المتزايدة من اجل مكافحتها، بما فيها جميع الجهود المبذولة لمنع استخدام الاراضي العراقية كقاعدة للارهاب ضد الدول المجاورة وبالعكس.
ولعل ما خرج به اجتماع الكويت يأتي في سياق القراءات الواقعية الجديدة من قبل الاطراف العربية وغير العربية في المحيط الاقليمي للوضع العراقي، ويمثل توجهات ـ او ملامح ومؤشرات لتوجهات ـ جادة لتصحيح المسارات وتلافي الاخطاء نتيجة المواقف الملتبسة وغير الصائبة والمنطلقة اما من عقد الماضي، او هواجس الحاضر ومخاوف المستقبل.
ولكن ما زال هناك الكثير مما يتطلب عمله وانجازه حتى تكون صورة المشهد في الكويت او غيرها من ملتقيات اطراف الجوار العراقي، مثل صورة المشهد في بروكسل!.  
الانتقاد/ العدد1264 ـ 25 نيسان/أبريل 2008


2008-04-25