ارشيف من : 2005-2008
أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية مقابل كوسوفو!
في البداية، نفت سلطات جورجيا أن تكون طائرة التجسس الجورجية بدون طيار والتي قالت القوات المسلحة في أبخازيا إنها أسقطتها فوق أراضيها، تابعة لها. لكنها عادت واعترفت بأن الطائرة المذكورة قد أسقطت بصاروخ أطلقته مقاتلة روسية، وبأنها كانت فعلاً تابعة لها، وبأنها كانت تقوم بمهمة استطلاعية فوق أراضي جورجيا، أي فوق أراضي أبخازيا التي تعتبرها تبليسي جزءاً من جورجيا، في حين يعتبر الأبخازيون بلدهم مستقلاً عن جورجيا، ويصرون على أنهم هم من أسقطوا طائرة التجسس وجمعوا أشلاءها داخل أراضي أبخازيا. ووفقاً للرواية الجورجية المعدلة، تكون روسيا قد ارتكبت عملاً عدوانياً ضد جورجيا. ومن هنا جاء المطلب الجورجي بالدعوة إلى عقد جلسة لمجلس الأمن للنظر في القضية، وهو المطلب الذي رافقته دعوات مماثلة وجهت إلى الاتحاد الأوروبي وبلدان الحلف الأطلسي. وإذا كانت روسيا قد نفت تحليق أي من طائراتها فوق جورجيا، فإنها لا تستطيع نفي أمر أصدره الرئيس بوتين بتعزيز التعاون، مع كل من أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وكذلك مع مقاطعة ترانسدنيستريا التي تعيش مع مولدوفا وضعاً مشابهاً للوضع الذي تعيشه كل من أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية مع جورجيا.
وقد جاء التجاوب سريعاً من الغرب مع النداء الذي وجهه الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي، وطالب فيه الاتحاد الأوروبي وبلدان الحلف الأطلسي بالرد على الموقف الروسي لإثبات أنهم قادرون على حماية قيمهم ومبادئهم. وقد صدر التجاوب الغربي تباعاً عن الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، سين ماكورماك، ورئاسة الاتحاد الأوروبي في سلوفينيا، والأمين العام للحلف الأطلسي، جاب دو هوب شيفر، حيث وجهت الدعوة إلى روسيا باحترام سيادة جورجيا ووحدتها الترابية، وبوقف التعليمات المتعلقة بتعزيز التعاون الروسي في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وبالتراجع عن هذا الإجراء الذي يقوض سيادة جورجيا. ومن جهته، جاء الرد الروسي صدامياً، حيث ركز على أن كلاً من ترانسدنيستريا وأبخازيا وجورجيا تمتلك أسباباً للاستقلال، على التوالي، عن مولدوفا وجورجيا، أكثر من تلك التي تمتلكها كوزوفو للاستقلال عن صربيا.
وفي ظل صعوبة الانزلاق إلى مواجهة عسكرية كبرى، على الأقل في المرحلة الراهنة، مع عدم استثناء تجددت المواجهات بين جورجيا وكل من أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وشهدت الساحة عرضين لافتين. الأول قدمته جورجيا إلى أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، ويقضي بمنح الإقليمين حكماً ذاتياً موسعاً، وشراكة فعلية في الحكم على جميع مستويات الدولة، إضافة إلى العديد من المساعدات الاقتصادية والمالية، مقابل تخليهما عن مطلبهما الاستقلالي. لكن المقاطعتين رفضتا العرض وأعلنتا تمسكهما بالاستقلال الكامل والناجز. أما الثاني، فقدمته روسيا إلى جورجيا، وأعربت فيه عن استعدادها لتطبيع العلاقات معها ورفع العقوبات المفروضة عليها في مجالات النقل وتأشيرات الدخول، إضافة إلى السماح لمنتجات جورجية بالدخول إلى الأسواق الروسية، شرط توقف جورجيا عن المطالبة بالانضمام إلى الحلف الأطلسي. لكن جورجيا التواقة إلى الاندماج في المؤسسات الغربية رفضت العرض معتبرة أنه بلا معنى، ما دام أن موسكو لا تريد التخلي عن دعم المقاطعتين الانفصاليتين، إضافة إلى كونها تبيّت النية في ضمهما فعلاً إلى الاتحاد الروسي.
وعليه تكون المسألة قد وصلت إلى الباب المسدود، وخصوصاً بعد أن أعربت جورجيا مجدداً عن عزمها على دعوة الاتحاد الأوروبي مجدداً إلى إرسال قوة شرطة أوروبية إلى المقاطعتين المتمردتين على تبليسي بدعم من موسكو. وإذا كان الرئيس الجورجي، ميخائيل ساكاشفيلي، يستلهم المثال الكوسوفي حيث جاءت الشرطة الأوروبية لتدعم استقلالها من جانب واحد عن صربيا، فإنه قد أخطأ بلا شك في هذا الاستلهام، إذ لو كانت هنالك حاجة لإرسال قوة الشرطة تلك، لوجب إرسالها إلى المقاطعتين الاستقلاليتين لدعم استقلالهما كما حدث في كوسوفو، وليس العكس. لكن ساكاشفيلي يظن أن وجود تلك القوة سيعزز من قدرة جورجيا على إعادة توحيد نفسها عبر ضم المقاطعتين، متجاهلة أن وجود تلك القوة في كوسوفو لم يهدف إلا إلى تعزيز نزعتها الانفصالية. وهي تقدم بذلك خدمة مجانية للأطروحة الروسية التي تنبأت بأن استقلال كوسوفو ستكون له مضاعفات مشابهة في بلدان أوروبا والعالم. وبغض النظر عن رغبات ساكاشفيلي، فإن ما يجري في أبخازيا وأوسيتيا وترانسدنيستريا هو رد مباشر، سبق أن حذرت منه موسكو، على ما جرى في كوسوفو. وإذا كان استقلال كوسوفو قد شكل خدمة لموسكو بقدر ما عزز ارتباط صربيا بروسيا، بعد أن كانت قد قطعت شوطاً طويلاً في مجال التقارب مع الغرب، فإنه ليس من الأكيد أن يؤيدي انفصال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية عن جورجيا إلى المزيد من التقارب مع الغرب باتجاه الانضمام إلى الحلف الأطلسي. لا بل يمكن القول إن من شأن هذه التطورات أن تنعكس سلباً على جورجيا التي تعاني حالياً من توتر متصاعد بين ساكاشفيلي ومعارضيه، بشكل يغري الروس بوضع يدهم اليسرى على ابخازيا وأوسيتيا الجنوبية، تمهيداً لوضع يدها اليمنى على جورجيا بالذات.
ع ـ ح
الانتقاد/ العدد1264 ـ 25 نيسان/أبريل 2008