ارشيف من : 2005-2008
الانتخابات الأميركية: خلافات على كل شيء باستثناء "إسرائيل"
أكثر المراقبين توقعوا فوز هيلاري كلينتون على منافسها باراك اوباما في بنسلفانيا التي تعتبر أهم الولايات الأميركية العشر المتبقية حتى نهاية الانتخابات التمهيدية في 3 حزيران القادم، وذلك لجهة عدد مندوبيها البالغ 158 مندوباً أي 28 بالمئة من أصل الـ566 مندوباً المتبقين الذين يتنافس عليهما المرشحان الديموقراطيان. لكنهم توقعوا أيضاً أن فوزها لن يكون ذا قيمة إلا إذا جاء هامش تجاوزها لأوباما كبيراً بما يكفي لردم الهوة بين أصوات 1508 من المندوبين الذين كسبتهم حتى الآن، وأصوات الـ1646 مندوباً الذين كسبهم أوباما. ويشكل هؤلاء 53 بالمئة من الأصوات، ما يعني أن محافظته على هذا التفوق تكفي للفوز في المرحلة قبل النهائية التي يتبعها التصويت الحاسم لكبار المقترعين.
وعلى هذا المستوى الحاد من التنافس، فإن كلاً من المرشحين الديموقراطيين قد حافظ على نسبة استخدامه لكل ما يتيسر من اسلحة بهدف إضعاف موقع خصمه في أعين الناخبين. فقد قالت آلة الدعاية التابعة لكلينتون ان أوباما مسلم، ونشرت له صوراً في زي صومالي، ما عزز اللغط حول أصله الإسلامي. كما شككت في إقبال الناخبين على إعطاء أصواتهم لرجل من أصل إفريقي، وتناولت علاقاته القديمة مع حزب يساري، وصولاً إلى علاقاته العاطفية، وعدم تعليقه شعار أميركا على ياقة قميصه. دون أن تنسى بالطبع هفوة خطيرة ارتكبها عندما وصف سكان المدن المتوسطة الحجم بأنهم يتشبثون بالدين وبالأسلحة النارية لنسيان همومهم المالية. ومن الضربات الهامة التي وجهتها كلينتون لأوباما إعرابها عن شكها في أن يتمكن من تحمل المتاعب والضغوطات التي يتعرض لها رئيس الولايات المتحدة، مشيرة الى قدرتها على التفوق في هذا المجال، بوصفها زوجة رئيس جمهورية سابق، وسبق لها أن أمضت ثماني سنوات من عمرها في البيت الأبيض... ومن جملة ردود أوباما تركيزه على جمودية كلينتون، في مقابل شعاره الأساسي القائم على فكرة التغيير. فهو يعتبر أن كلينتون تتبنى طروحات الجمهوريين، مستفيداً في ذلك من كلام لها تباهت فيه بقولها إنها قد فهمت لعبة الجمهوريين خلال عشرين عاماً، وإنها ستفوز لأنها باتت تحكم تلك اللغة، وهو الأمر الذي يفسره أوباما بأن أي تغيير عن الجمهوريين لن يحصل، فيما لو أمسكت كلينتون بمقاليد الحكم.
وفيما لو تجاوزنا تفنن كل طرف في إدارة معركته الكلامية، وحاولنا البحث عن معنى سياسي حقاً للمعركة الانتخابية الأميركية، لوجدنا أن هذا المعنى هو الأكثر بروزاً على مستوى السياسة الأميركية لجهة ارتهانها للإرادة الصهيونية. لأن كلام الطرفين المتنافسين لا يقتصر على إبداء المواقف من مشكلات الشرق الأوسط ذات الصلة بـ"إسرائيل"، بل يشتمل أيضاً على إبداء المواقف من يهود أميركا الذين يلعبون دوراً حاسماً في تقرير وجهة الانتخابات. فعلى الرغم من حرص كل طرف على اعتماد مواقف معاكسة لمواقف الطرف الآخر من جميع القضايا، نجد أن قضية اليهود و"إسرائيل" تنتج وحدة في المواقف يغلب عليها طابع المزايدة في محض الدعم والتأييد. فمن جهته، يعتبر أوباما نفسه صديقاً "مقرباً" لـ"إسرائيل" التي وصفها بأنها أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، مضيفاً بأن أمن "إسرائيل" أمر مقدس. والكلام موجه بالدرجة الأولى إلى إيران التي طالبها بأن تدرك أن أي هجوم قد تشنه على "إسرائيل" سينظر إليه على أنه هجوم على أقوى حليف لأميركا في المنطقة. ومن هنا يشدد أوباما على ضرورة العمل بكل السبل من أجل أن يكون السلاح النووي بعيداً عن متناول الإيرانيين. وفي السياق نفسه، يعلن أوباما أن منع إيران من امتلاك السلاح النووي يجب أن يقترن بوقف تمويلها لما أسماه بالحركات الإرهابية، كحماس وحزب الله، وبوقف الخطاب المعادي لـ"إسرائيل"، والكف عن توجيه التهديدات إليها. وفي رسالته الموجهة إلى الداخل الأميركي، امتنع أوباما عن تقبل الدعم الذي عرضه عليه لويس فارخان، رئيس حزب أمة الإسلام، بسبب تصريحاته المعادية لليهود ولـ"إسرائيل"، وأعلن استنكاره لهذه التصريحات. وعندما نالت منه هيلاري كلينتون لأنه اكتفى بالاستنكار ولم يعلن رفضه القاطع لتلك التصريحات، عاد وأكد بأنه يرفضها بشكل قاطع، فيما لو كان الرفض أشد من الاستنكار!
أما كلينتون فقد ذكرت بمواقف تاريخية له في هذا المجال، وتحديداً عندما رفضت عرضاً من حزب يسيطر عليه أشخاص معادون للسامية ولـ"إسرائيل". وإذا كانت قد اتخذت من "إسرائيل" والشرق الأوسط مواقف مماثلة لمواقف أوباما، فإنها قد زايدت عليه عندما اقترحت نصب مظلة رادعة حول "إسرائيل" وعدد من بلدان المنطقة. وبعد أن بدا أن الطرفين لا يعارضان فكرة الحوار المباشر مع إيران، قالت هيلاري إن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ليس الشخص الذي يجب أن تتاح له فرصة الاجتماع معها في البيت الأبيض.
عقيل الشيخ حسين
الانتقاد/ العدد1264 ـ 25 نيسان/أبريل 2008