ارشيف من : 2005-2008
الثائر نحو الحرية
فيما يتربع الكثيرون من الطغاة على عروشهم، ويتحججون بالانتخابات "المفبركة" التي تقيهم حر لظى شعوبهم المكبوتة بالعصا تارة وبالجزرة أطوارا، خرج فيدل كاسترو من قيادة الأمة الثائرة وتنحى عن الرئاسة..
هذا القادم من مزرعة صغيرة، عمل للوصول الى الحكم بالطرائق الديمقراطية، وما إن بات على مسافة قريبة، قلبت الأمور لمنعه منها.
عمل بكل جهد، ولكن في بعض الأمور لا ينفع إلا "الكيّ"، فقرر الثورة. مفهوم يستعصي على من لا يدرك معنى الكرامة ان يستوعب ضرورة الثورة.. وعصي على من لا يفهم معنى المذلة ان يستوعب قيمة الثورة.
هي ليست فعل هوى او غوى، هي الحياة ولو ختمت بالشهادة. فكيف أكون عزيزاً و"النير" في رقبتي! وكيف أكون "قوياً" والآخرون يرسمون سقف قدرتي!
والأهم ان الثورة ليست "خصيصة" تمنح او تعطى، بل هي فعل، ولا يتميز بها مجتمع عن آخر.
الثورة هي هي.. والطاغي واحد.. من أول بدء الخليقة إلى آخر الزمان.
الثورة لم تكن له وحده ولم يحتكرها.. شارك فيها كل من عمل فيها على السواء.. أبحر بثورته الى شواطىء تحميها ليعود ويفتح بلاده منتصراً. تحمّل النفي والسجن ولم يتغير، لأنه يؤمن بحق الشعب.
لم ترعبه أميركا برغم كل محاولات الاغتيال.. بقي يصد هجومها وما زال.
ما الذي يجمع فيديل كاسترو والعرب؟ ما الذي يجمع فيديل كاسترو والعجم؟ لو نظرت الى الكرة الأرضية لوجدت كل واحد في طرف.. هو العدو الواحد الذي لا يريد إلا سحقنا جميعاً من أجل سيطرته المطلقة علينا وعلى ثرواتنا.. إنه الاستعباد.. وفي الطريق هناك مفهوم آخر يمر وهو "الاستحمار" الذي يمثله العديدون اليوم، سواء بخيارهم او بثقافتهم.. يستحمرون أنفسهم ويريدون فرض "الاستحمار" على شعوبهم.
بعض المتربعين على ترسانات السلاح الذي يجهز لقتل الشعوب، قبلوا "الاستحمار".. أما درس فيديل كاسترو فقد تعلم من شعبه وعلم شعبه ان "الاستحمار" لا يقبله إلا "الحمار". ولكن حتى "الحمار" فإنه في بعض الأحيان "يرفس"، أما بعض "المستحمرين" فقد وضعوا رؤوسهم في "مخلة" يجترون منها.. ولم يعد ينفع معهم "حسّ".
فيديل كاسترو.. الذي من المفترض أنه آتٍ من حزب شمولي.. تخلى عن الكرسي.. فيما "فلقنا" البعض بتعدديته وهو "مسمّر" على الكرسي!
في كوبا تجده بين أهلها.. أهله.. واحداً منهم.. ينزل الى المصنع كما يدخل الى الجامعة.. يستشعر أوجاعهم ويعمل من أجلهم.. هو المفهوم إذاً وليست المصاديق المزيفة، او حزب الفرد الواحد او العائلة.. وعندما يرى انه لم يعد قادراً على خدمتهم يتنحى.
تعلموا يا حكام.. هكذا تكون القيادة.
مصطفى خازم
الانتقاد/ العدد 1255 ـ 22 شباط/ فبراير 2008