غزة ـ فادي عبيد
نور .. وائل .. براء .. ولن يكون أخيراً يوسف، أسماء لأطفال حرموا من أن يروا بسمة أمهاتهم التي سلبها المحتل وسط عتمة الزنازين الصهيونية، وسواد جدرانها؛ أحدثهم كان الطفل (يوسف) ثلاثة أشهر، ابن الأسيرة فاطمة الزق (42 عاماً) من سكان قطاع غزة، والتي تعد خامس أسيرة فلسطينية تضع مولودها داخل السجن خلال انتفاضة الأقصى المباركة، حيث سبقها أربع أسيرات هن منال غانم، وميرفت طه، وسمر صبيح، وخولة زيتاوي.
بداية قصتها كانت قبل حوالى 11 شهراً، حينما اعتقلت على معبر بيت حانون ـ إيرز، برفقة ابنة أخيها روضة حبيب 30 عاماً أثناء توجههما لإجراء عملية جراحية في أحد المشافي الصهيونية، وذلك بدعوى نيتهما تنفيذ عملية استشهادية داخل دولة الكيان.
أصغر أسير
فصول معاناتها بدأت فور نقلها للتحقيق القاسي والمذل؛ دون أي اعتبارات كونها حاملا في شهرها الثاني، لتجد نفسها بعد ذلك إلى جانب نحو 90 أسيرة في سجن هشارون؛ الذي يعد أكبر سجن من حيث عدد الأسيرات المعتقلات بداخله، وتمر الأيام والليالي العصيبة حتى جاء 18 من يناير ومعه البشرى؛ إنه يوسف مؤنس وحدتها في وحشة زنزانتها، وأصغر أبنائها التسعة الذين لطالما اشتاقت أذنها إلى نغمات أصواتهم، وعيونها لتتكحل برؤيتهم.
يوسف وبرغم صغر سنه إلا أنه لم يكن بمنأى عن الإهمال الطبي والحياة الأليمة وغيرها من الإجراءات التعسفية التي يعانيها الأسرى بهدف النيل من عزيمتهم ومعنوياتهم العالية، حيث يقول المحامي أحمد الخطيب الذي تمكن من زيارة الأسيرة الزق بصعوبة بالغة: "إنها ورضيعها يعانيان أوضاعاً قاسية، إذ لا يسمح لها بإدخال الكثير من الحاجيات الضرورية لطفلها من ملابس، وسرير للنوم، وغيرها، لا سيما في هذه المرحلة العمرية التي تتطلب رعاية صحية، ومكاناً ملائماً لمن هم في سنه".
وفي مشهد آخر لحجم المأساة هذه، يقول محمد الزق زوج الأسيرة فاطمة: "إنه كغيره من سكان القطاع محروم من الزيارة بشكل كامل، وإن آخر حديث أجراه معها كان قبل أكثر من شهرين عبر الهاتف ولمدة لم تتجاوز نصف ساعة، مضيفاً أنه لم ير ولده مباشرة منذ ولادته؛ باستثناء بعض الصور التي التقطت له داخل السجن".
الطفل سليمان ـ ابن الخمسة أعوام الأخ قبل الأخير ليوسف ـ أصر على أن يحملنا هذه الرسالة إلى أطفال العالم وأحراره لعلها تصلهم، قائلاً: "إحنا شو ذنبنا حتى نحرم من رؤية والدتنا، هل في العالم أسير رضيع مثل أخوي؟!!!".
ذكرى ورسالة
وعن عدد الأسيرات الأمهات في سجون الاحتلال قال مركز الأسرى للدراسات والأبحاث: "إن هناك 23 أسيرة من الأمهات، بينهن أسيرتان تحتفظان بأولادهما وهما فاطمة الزق، والأسيرة خولة محمد زيتاوي من مدينة نابلس، التي أنجبت طفلتها غادة قبل عام وسبعة أشهر"، وأضاف مدير المركز الأسير المحرر رأفت حمدونة أن أوضاع الأسيرات الفلسطينيات تتفاقم وسط معاناة يغض العالم الطرف عنها، وعن تلبية الحد الأدنى من الحقوق الإنسانية التي حرمن منها بصورة متعمدة وقاسية من قبل ما تسمى بإدارة مصلحة السجون الصهيونية، عدا عن الانتهاكات التي تعرضن لها بصورة متكررة مثل زيادة حملات المداهمات والتفتيش العاري والتنكيل، إضافة إلى الحرمان من زيارات الأهالي حيث يحاصر الجيش الاسرائيلي قطاع غزة بشكل تام منذ الرابع عشر من حزيران الماضي مانعا ذوي الاسرى من قطاع غزة من زيارة ابنائهم المعتقلين.
هذا الواقع غير الطبيعي، واللاإنساني كذلك، ربما لن يكون جديداً بالنسبة للأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال؛ لكن الأهم هو رمزيته في هذا التوقيت الذي يحيي فيه الشعب الفلسطيني الذكرى الـ34 ليوم الأسير، وهو اليوم الذي أطلق فيه سراح أول أسير فلسطيني (محمود بكر حجازي) في أول عملية لتبادل الأسرى بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال في السابع عشر من نيسان/ إبريل عام 1974؛ حيث تعيد هذه الذكرى من جديد إلى السطح أحد الملفات الرئيسية في الصراع المتواصل مع الصهاينة؛ ألا وهو ملف الأسرى الذين تجاوز عددهم 11 ألف أسير، بينهم 720 أسيرة اعتقلن فقط خلال سنوات الانتفاضة الثانية، لتبعث برسائل عدة أبرزها: أن الحرية التي سلبت لن تمنح بالمجان.
الانتقاد/ العدد1264 ـ 25 نيسان/أبريل 2008