ارشيف من : 2005-2008

أولمرت غير قادر ولا ينوي استئناف المفاوضات مع سوريا

أولمرت غير قادر ولا ينوي استئناف المفاوضات مع سوريا

كتب يحيى دبوق

تكثفت الرسائل الاسرائيلية الموجهة إلى دمشق، وهي رسائل "سلام" ودعوة إلى استئناف المفاوضات، كان اخرها الكلام المنسوب إلى رئيس الحكومة الاسرائيلية إيهود اولمرت، الذي أشار الى ان اسرائيل على استعداد لاعادة هضبة الجولان السورية المحتلة إلى سوريا.
وقبل الرسالة الاخيرة لاولمرت، المرسلة بواسطة طرف ثالث (تركيا)، جاء في مقابلات اولمرت الصحفية الثلاث (يديعوت احرونوت، معاريف وهآرتس)، لمناسبة عيد الفصح اليهودي، دعوات واضحة ومباشرة إلى دمشق، حيث قال ان وجهة اسرائيل هي "السلام" مع سوريا "فنحن لا نريد محاربتها ونفضل الدخول معها في عملية سلام وليس مجابهة، وآمل ان لا يبقى ذلك مجرد امنية"، واضاف ان "الرئيس (السوري بشار) الاسد يعرف بالضبط ما هي توقعاتي من عملية السلام وتوقعات اسرائيل، وانا اعرف بالضبط ما هي توقعاته، وهذا ليس عبر القراءة في الصحف، بل سمع مني (الاسد) أمورا جدية عبر شتى الطرق".
يضاف إلى تصريحات اولمرت المباشرة وغير المباشرة، والتي يمكن تسميتها "الجبهة السلامية" الاسرائيلية الجديدة تجاه دمشق، تمحور لافت في الاونة الاخيرة لدى الاعلام الاسرائيلي والمعلقين السياسيين والعسكريين البارزين، حول ضرورة الاسراع واستنئناف المفاوضات مع سوريا، لان الحل يكمن في دمشق، سواء بالنسبة للمواجهة المستمرة مع الفلسطينيين في قطاع غزة تحديدا، مرورا بالوضع اللبناني، بل وصولا أيضا إلى التوتر الاكثر تهديدا واقلاقا لاسرائيل، وهو الجمهورية الاسلامية الايرانية وملفها النووي.
ولكن هل يعني ذلك ان اسرائيل، بحكومتها الحالية وعلى رأسها إيهود اولمرت، تريد فعلا استئناف المفاوضات مع سوريا، بما يعنيه ذلك من انسحاب كلي من هضبة الجولان السورية المحتلة. وهل في اشارة اولمرت نفسه إلى ان الرئيس الاسد يدرك ما تريده اسرائيل وهي بدورها تدرك ما يريده الاسد، ان الاتصالات الجارية (عبر تركيا) قد انطلقت وتجاوزت العرض الابتدائي فيها، وان هناك نوعا من المفاوضات الجدية بين الطرفين، استلزم ما يمكن تسميته تجاوزا "بالغزل" الاسرائيلي نحو سوريا؟. المسألة تحتاج إلى تأمل وعدم الاسراع في إطلاق النتيجة. وذلك للاسباب التالية:
من جهة اولى، يصدق اولمرت حينما يقول ان اسرائيل تدرك ما تريده سوريا، لكن هل هو في الواقع يريد وينوي بالفعل تلبية مطالبها، والتي هي في المناسبة واضحة جدا؟.
من جهة ثانية، هل باستطاعة اولمرت، حتى وإن توافرت لديه الارادة، توفير غطاء داخلي اسرائيلي لتمرير أي محصلة لمفاوضات يجريها مع سوريا؟.
من جهة ثالثة، هل باستطاعة اولمرت، أو أي رئيس وزراء اسرائيلي، مخالفة ومعارضة التوجه الاميركي العام في المنطقة، وتحديدا تجاه سوريا، التي تعارض اجراء اتصالات توفر، بحسب التعبير الرسمي الاميركي، "غطاء وامانا للنظام"، بل ان الرئيس الاميركي جورج بوش يردد بشكل واضح ان "سوريا تعلم ما يجب ان تقوم به"، لكنه في نفس الوقت لا يقدم أي ثمن لقاء ما "يجب" ان تقوم به دمشق.
الجواب، عن التساؤلات الثلاثة الواردة اعلاه، سلبي. بمعنى ان اولمرت لا يريد اجراء مفاوضات مع دمشق لانه لا يستطيع اعادة الحقوق السورية المتمثلة في هضبة الجولان، كما انه لا يستطيع تأمين غطاء سياسي في الداخل الاسرائيلي لانه قد يكون اضعف رئيس حكومة مر على اسرائيل، بل هو اضعف من ان يعارض أو يتملص من املاءات الادارة الاميركية، فبحسب الرئيس الاميركي السابق جيمي كارتر فإن "إسرائيل لا تريد إجراء مفاوضات مع سوريا، بل هي رفضت ذلك بصراحة، لأنها تخضع لضغط أميركي قوي حال دون ذلك"، مضيفا "أنا لا افهم سبب هذا الضغط وما هي مصلحة الولايات المتحدة في الحؤول دون توصل سوريا وإسرائيل الى اتفاق بشأن الجولان".
اذاً في أي اتجاه يمكن ان "تُصرف" دعوات اولمرت "السلامية" الموجهة إلى سوريا. قد يكون الجواب في دراسة انعكاسات توجه الرأي العام الاسرائيلي المتشكل اخيرا على اولمرت، والذي يساهم في تشكله المراسلون والمعلقون السياسيون والعسكريون، إذ يكاد يجمع هؤلاء على ان "مفتاح" حل ازمات اسرائيل على جبهاتها المختلفة، هو في "التصالح" مع سوريا. فهل يأتي كلام اولمرت "السلامي" كالتفاف على هذه الدعوات، بمعنى انها دعوات شكلية لذر الرماد في العيون، وهي خالية من مضمون وتوجه حقيقي؟. بناءً على ما ورد من صعوبات امام اولمرت في أي مفاوضات يجريها مع السوريين، واولها "الفيتو" الاميركي عليها، اضافة إلى صعوبات داخلية غير سهلة على اضعف رئيس وزراء شهدته اسرائيل، لا تخرج المسألة عن كونها دعوة شكلية ترمي إلى اسكات رأي عام متشكل داخل اسرائيل يدعمه (الرأي العام) توجه كبير منذ مدة غير قصيرة لدى المؤسسة العسكرية الاسرائيلية بضرورة التفاوض مع دمشق.. الا انه وكما قال كارتر نفسه في مقابلة مع التلفزيون الاسرائيلي قبل ايام "إسرائيل ترفض التفاوض مع سورية نتيجة الضغوط التي تمارسها واشنطن، وانا اشهد بصفتي رئيسا سابقا (للولايات المتحدة) انه فيما يتعلق بأولمرت فلا شك بأن تأثير الإدارة الأميركية الحالية عليه، قد فعل فعله".
الانتقاد/ العدد1264 ـ 25نيسان/ أبريل 2008


2008-04-25