ارشيف من : 2005-2008
اللقاءات الماراثونية مستمرة وغزة محطة الاختبار للتهدئة الشاملة والمتزامنة
غزة ـ عماد عيد
تطورات كبيرة تم الإعلان عنها خلال الأيام الماضية بالمجمل على صعيد القضايا العالقة في الساحة الفلسطينية ذات الامتداد الدولي.. وما من شك بحسب المراقبين والمحللين فان هذه الزيارات والاتصالات المكثفة لم تكن من فراغ ولم تصل إلى فراغ إلا إذا أراد الكيان الصهيوني مدعوما من الإدارة الأميركية هذه النتيجة .. فزيارة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر كان لها أهميتها وان لم تكتسب الطابع الرسمي كوسيط، غير أن كارتر أراد من خلال جولته أن يقيس تماما أي نوع من التغير طرأ بعد هذا الحصار على مواقف حركة حماس تحديدا من هذه القضايا العالقة، والى أي حد أصبحت حماس جاهزة للذهاب مع المجتمع الدولي في حل هذه القضايا .. لان هذا التطور سينعكس بالضرورة على صناع القرار في العالم، وبناءً عليه سيتم تحديد طبيعة التعامل مع حركة حماس عربيا ودوليا، بمعنى آخر فان ملامح المرحلة المقبلة بالنسبة لحماس وللمنطقة ستساهم نتائج زيارة كارتر في رسمها وان لم يكن الأخير وسيطا رسميا .. وأصبح معروفا أن أهم القضايا العالقة هي عودة الأوضاع في قطاع غزة إلى ما كانت عليه، والتهدئة مع الكيان الصهيوني، والجندي الأسير في القطاع جلعاد شاليط، وموقف حماس من المبادرة العربية ومن القرارات الدولية ومن منظمة التحرير، والاتفاقات الموقعة مع الكيان الصهيوني، ومدى استعداد حماس للتعامل مع المنظومة الدولية وعلاقتها مع إيران وحزب الله.
وبحسب المراقبين ومصادر مطلعة جدا على مجريات الأمور فان حماس وافقت لكارتر على ما يتم التوصل إليه من اتفاق بين الرئيس محمود عباس ورئيس وزراء الكيان اولمرت في حال قبله الشعب الفلسطيني في استفتاء نزيه حتى لو كانت حماس تعارض هذا الاتفاق، وبالتالي فان حماس تعتبر أن هذا الموقف هو الموقف الأكثر مرونة على هذا الصعيد، والذي يمكنها من البقاء على قيد الحياة في المنظومة الدولية القائمة حاليا ويحافظ على الشعرة المتبقية بينها وبين المحيط الذي يفرض مقاطعة بشكل أو بآخر على التعامل معها في نفس الوقت يعفي الحركة من قضية الاعتراف المباشر والصريح بالكيان الصهيوني كما حصل مع منظمة التحرير الفلسطينية، وهو أمر يعتبر ولا شك تطورا دراماتيكيا على موقف حماس التي ظلت ترفض فكرة الاستفتاء على أي من قضايا الثوابت .. ولكن يبقى لهذا التطور محاذير وهي ما هو رد فعل المجتمع الدولي لا سيما الكيان الصهيوني وإدارة بوش، وكيف ستتعامل معه. ومعروف أن الكيان الصهيوني يحاول دائما ابتزاز واستغلال الأطراف خصوصا إذا ما أظهرت هذه الأطراف مرونة ما، وخصوصا إذا ما كان الكيان يعتقد بأن اللحظة في خدمته وليس في خدمة عدوه، وعليه فإن التقديرات لموقف العدو تأتي على النحو التالي، إن كان العدو يريد فعلا تغيير مواقف حماس وما يصفونه بترويض الحركة، لتتعامل مع النظام الدولي بشكل أو بآخر، فإنه سيقيم لهذه التغيرات وزنا لكنه من غير المؤكد ما إذا كان سيكتفي بها أم سيطلب المزيد، أما إذا كان هدفه هو مجرد دفع حماس للتنازل ومن ثم العودة إلى المطالبة والمماطلة من جديد فان المبررات جاهزة من اجل الدخول في حرب مع حماس وربما أكثر من ذلك..
أما على صعيد التهدئة فان الجديد على موقف حماس هو موافقتها على تهدئة في قطاع غزة فقط كخطوة أولى على أن تشمل الضفة الغربية لاحقا, وبحسب المصادر المطلعة فان حماس اشترطت أن يوقف الكيان كل أعمال الاعتداء ضد غزة وضد الحركة، وان يبدأ برفع الحصار عن غزة، وإجراءات فتح المعابر لا سيما فتح معبر رفح.
وأشارت المصادر الى أن ثمة خلافات حول دور حماس وقواتها في هذا المعبر في ضوء بروتوكول عام 2005 الخاص بتشغيل المعبر، وكذلك وهو الأهم حول شرط اشترطته حماس هو في حال تنفيذ عملية من قبل الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية أن لا ترد إسرائيل على حماس في غزة، وهذه المواقف لم يرد عليها العدو الصهيوني بشكل واضح، غير أن العدو وكعادته استمر في التصعيد على الأرض في غزة وفي الضفة كي تبقى المفاوضات تحت النار وتحت الضغط .. وبحسب مصادر عليمة فان حماس تشاورت مع حركة الجهاد الإسلامي في دمشق من اجل حملها على الموافقة أيضا على هذا التوجه الحمساوي، وبحسب هذه المصادر فان الجهاد وافقت على ذلك مبدية تحفظا على إطلاق يد الكيان في الضفة الغربية، غير أن ذلك لن يكون حجر عثرة أمام الاتفاق إن وافق العدو على ذلك والتزم على الأرض بهذه الشروط.. وبحسب هذه المصادر فان الكيان الصهيوني طلب من المصريين أن تكون فترة تهدئة تستمر لستة أسابيع لا يتخللها أي إطلاق للصواريخ من غزة على الأهداف الصهيونية ولا عمليات فدائية من غزة حتى تقتنع إسرائيل بجدية النية الفلسطينية في التهدئة، في حين حماس تطلب تقليص الفترة إلى أسبوعين وكارتر طرح أن تكون خمسة أسابيع، لكنه لم يتم الموافقة على اقتراحه.
وتعتبر هذه المواقف الجديدة إن صح التعبير جزءا من جملة القضايا بما في ذلك قضية شاليط وإتمام صفقة تبادل أسرى، وهي التي تصب في مصلحة حركة حماس، وعلى هذا الصعيد لا تزال الخلافات كبيرة حول نوعية الأسرى المزمع الإفراج عنهم .. كما إن حماس لم توافق على مقترحات قدمها كارتر والجانب المصري على عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل سيطرتها على قطاع غزة، ذلك أن حماس تعتبر أن أي خطوة غير محسوبة على هذا الصعيد ستكون لا محالة على حسابها وعلى حساب قوتها، وستكون مقدمة لإنهائها أو إضعافها على الأقل، وهو الأمر الذي تخشى منه حركة حماس وتحاول بما أوتيت من قوة ألا تقع فيه، غير أن ضغط الواقع على الأرض واحتياجات الناس بسبب الحصار هو الذي يتسبب بالحرج للحركة..
وفي ضوء ذلك فان كل هذه التطورات لا تعني بالضرورة إنهاء الموقف على الأرض وإنهاء هذه القضايا العالقة وإيجاد حلول نهائية لها. وتبقى كل هذه القضايا معلقة بانتظار الموقف الصهيوني وطبيعة التعامل معها، وهذا لن يتضح بشكل جلي ونهائي قبل احتفالات الكيان بتأسيسه منتصف الشهر المقبل الذي سيشارك فيها الرئيس الأميركي جورج بوش، كما إن العدو الصهيوني لن يجد لحظة تاريخية من وجهة نظر المراقبين أفضل له من اللحظة الراهنة تمكنه من الإبقاء على سياسة الابتزاز السياسي والميداني للأطراف الفلسطينية كلاً على حدة، وللطرف العربي بسبب الانقسام الفلسطيني الحاصل والتناحر في وجهات النظر والمواقف، وبسبب الموافقة الضمنية العربية بفعل سيطرة أميركا وهيمنتها على الأنظمة القائمة.
الانتقاد/ العدد1264 ـ 25 نيسان/أبريل 2008