ارشيف من : 2005-2008

نور الولاية: في تفسير سورة التوحيد

نور الولاية: في تفسير سورة التوحيد

اعلم أن هذه السورة الشريفة حيث أنها نسب الحق تعالى كما في الأحاديث الشريفة منها ما في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام: ان اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: "أنسب لنا ربّك، فلبث ثلاثاً لا يجيبهم ثم نزلت: قل هو الله أحد إلى آخرها"، فلهذا تعجز عقول البشر عن فهم حقائقها ودقائقها وأسرارها، ولكن مع هذا الوصف فما هو نصيب أهل المعرفة منها وما هو حظ قلوب أهل الله منها لا يسعه ميزان العقل المجرّد، ولعمر الحبيب إن هذه السورة الشريفة من الأمانات التي عجزت عن حملها سماوات الأرواح وأراضي الأشباح وجبال الإنيّات وأشفقن منها ولا يليق بحملها إلا الإنسان الكامل الذي تجاوز عن حدود الإمكانية وصار مجذوباً وبلا حواس، ولكن مع ذلك هنا بشارة تقرّ بها عيون أهل آخر الزمان وتعطي الاطمئنان لقلوب أهل المعرفة، وهي الحديث الذي في الكافي الشريف قال: "سئل علي بن الحسين عليه السلام عن التوحيد فقال: ان الله عزّ وجلّ علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام متعمّقون فأنزل الله تعالى قل هو الله أحد، والآيات من سورة الحديد إلى قوله وهو عليم بذات الصدور، فمن رام وراء ذلك فقد هلك".
ويعلم من هذا الحديث الشريف أن فهم هذه الآيات وهذه السورة المباركة يحق للمتعمقين وأصحاب الأنظار الدقيقة. ودقائق التوحيد والمعرفة وسرائرها منطوية فيها، وإن الحق تعالى أنزل لطائف العلوم الإلهية لأهلها، والذين ليس لهم حظ من سرائر التوحيد والمعارف الإلهية فليس لهم حق النظر في هذه الآيات، وليس لهم حق أن يحملوا ويفسّروا هذه الآيات على ما يفهمونه من المعاني العامية السوقية.. وفي الآيات الأولى من السورة المباركة الحديد دقائق من التوحيد والمعارف الجليلة من الأسرار الإلهية والتجريد ما لا يوجد له نظير في شيء من المسفورات الإلهية وصحف أهل المعرفة وأرباب القلوب، ولو لم تكن لصدق النبوّة وكمال شريعة النبي الخاتم سوى هذه الآيات لكفت أهل النظر والمعرفة. وأن أعظم شاهد على أن هذه المعارف خارجة عن تحمل البشر، وفوق أن يحيط بها الفكر الإنساني، أنه من قبل أن تنزل هذه الآيات الشريفة وأمثالها من المعارف المشتمل عليها القرآن الشريف لم يكن عند البشر سابقة هذا القسم من المعارف ولم يكن لهم طريق إلى هذه السرائر، وإن الكتب والصحف لأعاظم فلاسفة العالم موجودة الآن، مع أن علومهم أيضاً من منبع الوحي الإلهي، ولعل أعلاها وألطفها الكتاب الشريف "اثولوجيا"، التصنيف القيّم للفيلسوف عظيم الشأن والحكيم الجليل ارسطاطاليس الذي سجد في جنابه أعجوبة الدهر ونادرة الزمان الشيخ الرئيس خضوعاً له وتحقيراً لنفسه، ومن رشحات فكره المنطق وتنظيم قواعده ولهذه الجهة سمّي المعلّم الأول.
(*) من كتاب الآداب المعنوية للصلاة للإمام الخميني (قده)
الانتقاد/ العدد1265 ـ 2 ايار/ مايو 2008

2008-05-01