ارشيف من : 2005-2008
الدراما الخليجية بسمات وملامح
يوماً بعد آخر تثبت الدراما الخليجية نفسها وحضورها بخطوات أكثر ثقة وأكثر حضوراً، وبات بإمكان المشاهد أن يرصد الكثير من وجوهها على مختلف الفضائيات العربية، ولو أن المشاهد ـ غير الخليجي ـ يصعب عليه في بعض الأحيان أن يميّز بينها تصنيفاً، أيها الكويتي أو الإماراتي أو القطري أو البحريني.. الخ.. انها باختصار المسلسلات الخليجية التي سرعان ما تعرفها من وجوه أبطالها، ومن لهجتهم، ومن المشاهد الخاصة التي يتحركون ضمنها.
والحديث عن الدراما الخليجية ينقسم إلى عدة مستويات، أولها المضمون، وثانيها الشكل أو الأسلوب، وثالثها الشخصيات وملامحهم الخاصة.
المضمون:
على صعيد المضمون لم تستطع الدراما الخليجية بشكل عام أن تقدّم ما ليس من بيئتها ومجتمعها.. ففي الأعم الغالب، يتناول مضمون المسلسلات الخليجية حكايات و"سوالف" عائلية من العيار الأرستقراطي الباذخ، ولهذا، فمن النادر أن تنقل هذه الدراما الأجواء الفقيرة أو ما يحدث لدى عائلات المجتمع البسيط والفقير، اللهم إلاّ في حالات قليلة، كما حدث مع أحد المسلسلات التي أُنتجت مؤخراً، وكانت أجواؤه في بيئة فقيرة، وتتمثّل البيئة الفقيرة ـ خليجياً ـ في عالم الأكواخ المبنية على الشطآن، حيث الناس يعتاشون من صيد السمك أو صنع القوارب وشباك الصيد.. الخ..
المضمون إذاً وبشكل عام، يحاكي هموم العائلات الثرية، التي تمتلك الكثير من المال والسيارات والأعمال. وكما تمتلك هذه البيئة حكاياتها الخاصة فكذلك هي تملك مشاكلها وأحلامها الخاصة أيضاً ـ إن كان لها ثمة أحلام! ـ وتراوح حكايات المضمون بين الزواج والطلاق في معظم الحالات، ومشاكل الأبناء.. وإذا حاولنا أن نرصد بعض ملامح هذا المضمون، فإننا نرصد التالي:
ـ تصارع في العلاقات، والمستور دائماً أكثر من المعلوم.. فالزوج يخبئ عن زوجته أموراً كبيرة.. وكذلك الزوجة تخبئ بدورها ما تخبئه، ناهيكم عن الشباب، وعوالمهم السريّة التي يمارسونها ويعيشونها بعيداً عن أفكار الأهل أو آمالهم.. وهذا الواقع يخالف ويختلف مع الصورة النمطية والكلاسيكية لمجتمع "العائلة" في البيئة الشرقية والعربية، ومدى تماسكها وتلاحمها..
ـ التفاوت في العمر في بعض حالات ونماذج العلاقة الزوجية، فلا يبدو غريباً أو غير مألوف مشهد الرجل الستيني المتزوج من صبية عشرينية! ولا تمانع هذه الدراما من تسليط الضوء على مساوئ هذه العلاقة المتفاوتة، كما في مسلسل (لحظة ضعف) كمثل بسيط، الزوج أبو مشعل غارق في أعماله ومشاريعه ومع أصحابه، فيما زوجته العشرينية تعيش عالمها الخاص!
ـ معاناة شريحة شبابية ـ لا بأس بأعدادها ـ من الفراغ، أو الخواء المعنوي.. نشاهد شباباً يملكون كل شيء، بدءاً من الوقت الكثير، ومروراً بالمال الوفير وانتهاء بكل شيء تقريباً.. ونتيجة لهذا "الإشباع" نراهم يعيشون "الفراغ" بمعظم معانيه.. يسهرون لتضييع الوقت، يتنزهون بالسيارات.. يجلسون في المقاهي.. ودوماً هم محكومون بالأمور والهموم السطحية التي لا معنى لها..
والفراغ الذي ينطبق على الذكور ينطبق على جمهور الإناث أيضاً، وربما بصورة أكبر، هذا الفراغ لا تجد النساء سبيلاً لقتله إلاّ عبر مشاوير التسوّق وصرف المال، أو جلسات الشيشة، أو الكلام على الهاتف الذي يمتد لساعات في بعض الأحيان، دون أن ننسى المعاكسات والمشاكسات.
ولا ننسى أيضاً مضمون الدسائس والمكائد التي تحصل نتيجة التعدد الأسري لدى معظم العائلات.. كأن يكون الرجل متعدد الزوجات والأبناء والبيوت.. أو صاحب ماضٍ مجهول.. فينشأ عن مثل هذه الحالات، صراعات متعددة تلبس الكثير من الأوجه، وينشأ عنها حالة مضطربة من الصراعات والمكائد.. هذا المضمون نكاد نجده في العدد الأكبر من انتاجات الدراما الخليجية، ما يذكرنا بعالم التراث العربي القديم وما زخر به من حكايات مشابهة في بلاطات الأعيان وأصحاب الثروات..
محرّك هذه الدراما الخليجية إذاً هو عنصر المال والجاه والثروات.. إنها دراما الثورة النفطية وما تمخضت عنه في دول الخليج، من مظاهر وظواهر.. المال هو محرك الشباب والرجال والنساء.. وهو الهاجس وهو المسيطر، في عوالم البذخ والرفاهية و"الشوبنغ"، ولذلك أعود إلى نقطة طرحتها في بداية هذا النص وهي عدم قدرة هذه الدراما على تقديم ما ليس من بيئتها.. على سبيل المثال: الترميز السياسي، أو القضايا المصيرية ـ ولو من باب الإشارة ـ قضايا الفساد في الدول، التحديات الكبيرة التي تعيشها المجتمعات العربية، فلسطين.. العراق.. الاستعمار.. علاقات الدول.. كل هذه غابت عن هموم وأفكار الدراما الخليجية، سواء عن قصد وتعمّد أو عن سهو وغير قصد..
الشكل أو الأسلوب
من اللحظات الأولى التي تقع فيها عينا المشاهد على بعض الخلفيات واللقطات الخاصة، يدرك بسرعة أنه يشاهد إنتاجاً خليجياً! فالدراما الخليجية باتت أيضاً تملك ملامحها الخاصة على صعيد الشكل.. فكما هو البيت الدمشقي الشهير بفنائه و"بحرته" وطرازه، يكاد ينطق ليقدم هوية الانتاج السوري، كما الصعيد المصري والملابس الفلاحية.. كما الشكل اللبناني.. كذلك في الخليج.. تسارع الكاميرا بالتقاط تلك المشاهد الخاصة.. منازل هي أشبه بالقصور الفارهة والواسعة.. كل جدار بلون، وكل ستارة تشكّل ثروة.. والسيارات الفارهة المصطفة أمام الباب الرئيس.. الحدائق.. المسبح.. لكل ولد غرفته الخاصة بسماتها وألوانها وميزاتها الملائمة لشخصيته.. جناح الفتاة يختلف عن جناح الصبي.. عن جناح الزوجين.. غرفة المعيشة أو غرف الاستقبال.. يضيع المشاهد بتتبّع تلك التفاصيل والألوان واللوحات والتحف.. المسلسل الكويتي "جادة 7" مثلاً.. أو سواه أو سواه.. ومن باب الطرفة أن المشاهد يغفل أثناء متابعته لتلك التفاصيل المشهدية، عن متابعة مجريات الحلقة!! خصوصاً إذا كان المشاهدون، أناساً على قدر أحلامهم المتواضعة والفقيرة!
والشكل لا يتوقف فقط عند صورة المنزل ـ الفيلا.. أو السيارات أو الأثاث المنزلي.. هناك المتاجر ذات الملامح العالمية الغربية، المقاهي الحديثة.. محلات التسوّق.. الماركات العالمية.. وجوه العمالة الآسيوية، خدم المنزل، السائقون، عمال الحدائق.. الخ.. مكاتب الشركات، انواع وموديلات السيارات.. كلها ملامح خاصة، تميّز الدراما الخليجية في هذه الأيام وتعطيها هويتها الخاصة، الممهورة بنمط الحياة في دول الخليج العربي حالياً..
الشخصيات
يشكّل النجوم الخليجيون جزءاً لا يتجزأ من واقع الدراما الناطقة بأحوال مجتمعهم وبيئتهم وحياتهم.. ولئن كان العنصر الشبابي للوجوه الحديثة هو المسيطر تقريباً، إلاّ أنه لا يُلغي أبداً حضور النجوم الكبار والمخضرمين، الذين تشهد لهم سنوات القحط الدرامي بأنهم كانوا يعملون ويسعون ويبدعون، خصوصاً على الساحة الكويتية مثلاً، التي تمتلئ بأسماء نجوم لامعين وجديرين بنجوميتهم.
مكان الممثلين والممثلات الكبار والقدامي، موجود ومطلوب إذاً، وقد لا يكون العمل قيّماً دون مشاركتهم أو إطلالة بعضهم، والشاطر منهم استطاع أن يحافظ على رونقه واطلالته ورشاقته وجماله أيضاً، لأن الوجوه الشبابية اليوم بمعظمها، وجوه عملت فيها أنامل خبراء التجميل والماكياج وصناعة الأجساد والوجوه.. ومسألة التجميل والماكياج مبالغ فيها قليلاً في المجتمع الخليجي، الذي ينفق بحسب الإحصائيات أكبر ميزانية في العالم على أدوات التجميل وصناعته ومستحضراته.. هذا التبرّج الخليجي، يظهر بمستوى أقل جداً في الدراما السورية أو المصرية التي تعتمد أشكالاً أخرى..
وثمة ملاحظة أخرى تتعلق بالشخصيات هي "الوزن الزائد" الذي يكاد يقترن بالعدد الأكبر من نجوم هذه الدراما.. ويساهم ارتداء الدشداشة البيضاء عند الرجال بالمزيد من إظهار السمنة أو البدانة، حتى ليكاد يبدو للبعض أن هذا الممثل أو ذاك لا يستطيع الحركة! وفي أحيان أخرى تساهم بدانة بعض الشخصيات بتغيير الصورة المراد اظهارها من قبل الشخص أو الدور.. (البطل يوسف في مسلسل الأصيل.. أو سواه في أعمال أخرى..).
وملاحظة ارتداء الدشداشة الخليجية عند الرجال، تقودنا مباشرة إلى الزي النسائي المسيطر في المجتمع الخليجي، ألا وهي العباءة! ولا أعني هنا العباءة السوداء المخصصة للخروج، بل العباءات الملوّنة والمزركشة والمزخرفة والمزدانة بالأشرطة والحرير والجواهر.. الخ.. فإذا كان المسلسل يتضمن العديد من الشخصيات النسائية فإن هذا معناه أن المشاهد (أو المشاهدة) سيصاب بالدوار لكثرة الاستعراضات التي سيشاهدها، وللحقيقة فإنها استعراضات وإن كانت تتعلق بالأزياء إلاّ أنها تطوي قدراً من الفن والجمال والإبداع الخاص في عالم الملابس التي تشكّل "هوية" و"انتماء" لأصحابها.
وهكذا هي سمات الدراما الخليجية، تتحدث عن نفسها، بصورتها وشكلها ومضامينها وخلفياتها، وعلى العموم، فإن المرحلة التي وصلت اليها اليوم، تبشّر بمستقبل متوافر لها، لأنها استطاعت خلال سنوات قليلة أن تحقق ما حقّقه سواها خلال عقود. ولو أن التمنيّ يبقى في خروجها إلى دوائر المجتمعات الأخرى لتلامس هموم الآخرين وقضاياهم.. ولو بلهجتها ولكنتها الخاصة أيضاً، التي تشكل بُعداً آخر من أبعاد هويتها وانتماءاتها.
فاطمة بري بدير
الانتقاد/ العدد1265 ـ 2 ايار/ مايو 2008