ارشيف من : 2005-2008
حدث في مقالة: أمر عمليات أميركي وبعض عربي يجهض مبادرة بري..الأسباب والدوافع
كتب مصطفى الحاج علي
لم يكن موقف فريق السلطة من مبادرة الرئيس بري الحوارية بالأمر المفاجئ، ولا كان يجب أن يكون، لا سيما لأولئك الذين أخذوا بجذبة تفاؤلية ارتكزت على نحو رئيسي إلى المواقف الهادئة والايجابية من مبادرة بري التي أطلقها النائب وليد جنبلاط، وكذلك بالنسبة إلى أولئك الذين وجدوا في عودة النائب الحريري مؤشرات سعودية ايجابية تلاقي العديد من الرسائل السورية الايجابية التي أطلقها مؤخراً الرئيس السوري بشار الأسد، لكن ما فات هؤلاء جميعاً أن الحوار بالنسبة لهذا الفريق يناقض أصل التوجه والأمر الاميركي القاضي بإبقاء الأمور على ما هي عليه، كما يناقض آخر ما يمكن أن يجمع هذا الفريق ويوحد كلمته.
فمن نافل القول، إن أمر اليوم الاميركي لفريق السلطة هو المراوحة بمعنى إبقاء السنيورة، رجله الأفضل في لبنان، رئيساً للحكومة، ولا مانع من ايصال الأمور لاحقاً إلى وضع يسمح بالتمديد للمجلس النيابي الحالي، أي التمديد لصفة الأكثرية لفريقها بما يمنحه أرجحية سلطوية لن تدوم في ما لو أجريت انتخابات نيابية حرة ونزيهة ووفق قانون انتخابات عادل يحاكي تطلعات اللبنانيين.
في المقابل، ما الذي عرضه الرئيس بري في مبادرته الحوارية؟
فهو انطلق من مبدأ أن موقع رئاسة الجمهورية بات وراء الجميع، لأن هناك توافقا شاملا على قائد الجيش، وهو بحكم المنتخب، ولا ينقصه سوى تكريس هذا التوافق، أو قل منحه الشرعية الدستورية والقانونية المطلوبة، ليضع جدول أعمال واضح لطاولة حوار تشمل كل قوى الموالاة والمعارضة، تمثل ببندين أساسيين: التوافق على حكومة الوحدة الوطنية، والتوافق على قانون الانتخابات، مكتفياً هنا بمجرد صدور إعلان نيات للذهاب إلى المجلس النيابي لانتخاب الرئيس الجديد، وإقرار قانون الانتخابات، ومن ثم النظر في تشكيلة الحكومة الجديدة.
لكن ماذا يعني تشكيلة حكومة وحدة وطنية، وماذا يعني إقرار قانون انتخابات خصوصاً وفق تقسيمات القضاء، أميركياً وسعودياً وبالنسبة لفريق السلطة؟
انها تعني وضع مصير السنيورة على المحك، وإنها تعني أن لا امكان لإمرار الشق المعني به لبنان مما يحضر في المنطقة، وتحديداً في ما يخص المسألة الفلسطينية، لا سيما ملف اللاجئين فيها، وأنها تعني فرملة للمشروع الاميركي لبنانياً، وأنها تعني نصراً سياسياً للمعارضة عموماً ولحزب الله تحديداً، كما انها تعني فرملة لطموحات بعض العرب الذين ينظرون إلى لبنان كتعويض نسبي عما يعتبرونه خسارة للعراق.
وأما اقرار قانون للانتخابات، فهو أول ما يعني أن الانتخابات النيابية مبكرة أم غير مبكرة ستجري حتماً، وبالتالي لا امكان للتمديد للمجلس الحالي، وللأكثرية الزائفة الخاصة بفريقها، وثاني ما يعني اطلاق دينامية تحالفات جديدة ترتكز على قواعد المصالح الانتخابية، الأمر الذي سيصيب أكثر ما يصيب فريق الأكثرية، وثالث ما يعني ان الخلافات بين صفوف فريق الموالاة ستندلع، ويكفي الإشارة هنا إلى رغبة الحريري في الإبقاء على قانون الألفين في حين لا يمانع جنبلاط من اعتماد القضاء مع بعض التعديلات، ورابع ما يعني، وبحسب العديد من الاستطلاعات، أن فريق الموالاة سيخسر أكثريته لمصلحة المعارضة، ما يعني أن المجلس النيابي الذي تشكل توازناته المنطلق لرسم الكثير من توازنات السلطة ومعادلاتها الداخلية لن تكون لحسابات فريق الموالاة، ولا لحسابات المشروع الاميركي ـ الصهيوني وتقاطعاته العربية في لبنان.
من هنا، لا مصلحة فعلية لفريق الموالاة، وعلى الأقل لبعض أركانه، في الحوار حول بنود التسوية الآنفة، بل ابقاء الأمور على ما هي عليه، ولا سيما أن الرهانات على تطورات ما يعمل لها اقليمياً لم تسقط نهائياً، فثمة من لا يزال يرى أفقاً لحرب ما تشن ضد إيران، وأن هذا الخيار ما زال حاضراً وبقوة، ويستدل على ذلك بإعادة التموضع العسكري ـ الاميركي الواسع في الخليج وفي البحر الأبيض المتوسط، والتي تكاد تأخذ وضعية قتالية في أي لحظة، وثمة من يراهن على ضغوط خفية كبيرة تمارس على الوضع السوري الداخلي، هي حصيلة تعاون أمني أميركي ـ اسرائيلي وبعض عربي، وتهدف إلى زعزعة النظام انطلاقاً من إثارة الحساسيات المذهبية، وفي ما يشبه عودة ولو متأخرة إلى أطروحة دايفيد وورمسر المستشار الأبرز اليوم لديك تشيني.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار ما يحضر فلسطينياً حيث يحرص بعض العرب على تسريع الإعلان عن انجاز ما مهما كان بسيطاً لتوفير الغطاء الملائم لحركة انصياعهم للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، ولفرض أمر واقع فلسطينياً، يسحب في ما بعد على كل ما هو معني بذلك، هذا إلى جانب ما يمكن أن يوفره من غطاء لأمور أخرى تحاك في الخفاء.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أيضاً مؤتمر أصدقاء لبنان، والمساعي التي تبذل سراً وعلانية لعقد مؤتمر دولي حول لبنان، ومن ثم لإصدار قرارات جديدة عن مجلس الأمن تستهدف شرعنة حكومة السنيورة دولياً، وسحب الشرعية الدولية عن أي جهة لا تسهل انتخاب رئيس جديد بالشروط الاميركية، يمكن أن نرى وجهاً آخر لما يراهن عليه هذا الفريق.
في مطلق الأحوال، كل ما تقدم يشير الى أن لا رجاء يعوّل عليه بأن يستجيب فريق الموالاة لأي مبادرة حوارية يراد منها فتح كوة في جدار الأزمة المقفل، وأن كل ما يقوم به هذا الفريق هو مجرد مناورات تحاك في كواليس السياسة الاميركية وبعض الدول العربية المعروفة.
الانتقاد/ العدد1265ـ 2 ايار/مايو2008