ارشيف من : 2005-2008
التدويل "شر"... لن يمر!!!
كتبت ليلى الرحباني
طلع وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل على اللبنانيين بخطاب حول الازمة اللبنانية معتبراً: "ان موضوع الأزمة اللبنانية قد تم طرحه في الأمم المتحدة، ولا خطورة من تدويل الأزمة اللبنانية لأنه سيصب في نفس التوجه الذي تنتهجه الجامعة العربية والمؤيد دولياً". ثم أعلن "ترحيب الرياض بحل يغلب المصلحة اللبنانية والنأي بها عن أي تدخلات خارجية"، مبدياً "سعادته بمساهمة الأصدقاء كافة من كل الدول لحل المشكلة اللبنانية".
في البداية، واننا اذ نرحب بترحيب الرياض بالحلول التي تغلب المصلحة الوطنية والتي تنأى عن التدخلات الخارجية، ولكن نتساءل كيف يوفق الوزير بين طرح التدويل وبين "الدعوة لعدم التدخل"، ألا يعتبر التدويل وطرح مشكلة لبنان امام الامم تدخلاً فاضحاً في شؤون لبنان الداخلية؟
ثانياً، يعتبر الفيصل ان لا خطورة من تدويل الازمة اللبنانية، فما الذي يجعله واثقاً الى هذا الحد؟. جميعنا يعرف ان الدول العربية هامشية في التأثير والقرار في الامم المتحدة وفي مجلس الامن بالذات، فكيف يستطيع الفيصل ان يطمئن من ان تدويل العرب للقضية اللبنانية ـ ومن ورائهم فريق الموالاة ـ لن يؤدي الى اتخاذ قرارات تضر بلبنان وشعبه. كيف يثقون بعدالة التدويل ولنا في التاريخ البعيد والقريب قضايا عربية عدة خسرت واضمحلت بسبب تدويلها وعرضها على هيئة الامم المتحدة التي تسيطر عليها التوازنات الدولية ومصالح الدول الكبرى؟.
يطمئن الفيصل اللبنانيين بأن الامم المتحدة ستنتهج نفس توجه الجامعة العربية، وهنا الخطر الاكبر، اذ في تاريخها كله لم تدخل الجامعة العربية في موضوع ما واستطاعت حله، لا بل زادته تعقيداً. وفي الموضوع اللبناني بالذات، عانى اللبنانيون من قرارات العرب ومن مصالحهم ومؤامراتهم ما لم يعانه شعب في العالم العربي. هذا في الماضي، وخلال الحرب وما قبلها وما بعدها، اما اليوم فإن موقف الجامعة العربية والحل المقترح من قبل أمينها العام منحاز الى طرف من الاطراف ولا يعتبر محايداً مطلقاً، والمعارضة اللبنانية لا تراه حلاً يغلب المصلحة اللبنانية كما يدعو الفيصل.
كيف يطمئن الوزير السعودي ويدعو الى تدويل القضية اللبنانية، أيذكر سعود الفيصل والعرب ماذا حل بفلسطين عندما عُرضت قضيتها على الامم المتحدة وشكلت لاجل ذلك هيئة تحكيمية اضاعت فلسطين وقسمتها وشتتت شعبها؟
اننا كلبنانيين، ناضلنا واستشهدنا وحررنا، لن نسمح بأن نقف في يوم من الايام فنبكي على اطلال وطن اضاعه العرب ومصالحهم، ولن نسمح بأن يصل يوم فنقول كما قال ميشال شيحا متحسراً على فلسطين ومستهجناً القرارات المجحفة التي اتخذتها الامم المتحدة:
"يعز علينا ان نرى فلسطين مشرحة ومقطعة ارباً. ويشق علينا ان نرى هذه الارض المقدسة خاضعة لعملية فيها الكثير من العنف والتعسف. لقد اقر أعضاء لجنة التحقيق التابعة للامم المتحدة وبالاكثرية حلاً لصالح التقسيم ومن اجل قيام دولتين مستقلتين. ان تقسيم فلسطين المرتقب وهو على هذا القدر من القبح، يجد صورته الحقة في حكم سليمان: هذا الطفل الحي الذي آثرت امه الشرعية ان تقدمه للمرأة المغامرة بديل ان تراه يشطر شطرين.. لكن القاضي ليس سليمان بحيث يهتز لنداء احشاء الامومة....
دولتان تكونت ارضهما بما يشبه اللغز، ووضعت القدس وحدها تحت سلطة دولية، وشوّه الجليل، وجرّح وجه المسيحية والاسلام، فأي ذلة جديدة وأي اثم به تستحق فلسطين ان تصاب بهذه النكبة؟ كل هذا ارضاء لهوى عابر لدى اسرائيل ولهوسها بالرجوع الى ارض تركتها منذ عهد "تيطس"؛ ارض لا تتسع لسدس اليهود المشردين في المعمور.
ان موقف لجنة التحقيق يعني ان اي حجة لم تثمر، واية استعانة بالعقل لم تنجح، لا ولا أية امثولة مستمدة من الجغرافيا والتاريخ، ولا اي امر مبني على تقدم العصر وضروريات الحياة. وبديل احلال السلام يجري التمهيد للحرب...". (ميشال شيحا. 5 ايلول 1947)
بهذه الكلمات نعى ميشال شيحا فلسطين يوماً، والخوف كل الخوف ان يكون الفيصل وسواه من العرب "المعتدلين" وموالاتهم في لبنان يريدوننا ان نبكي على الاطلال مرة جديدة، والأفظع ان تكون اطلال لبنان بعد فلسطين هذه المرة.
ان التدويل بالنسبة للقضية اللبنانية شر، لن يستطيع الفيصل ولا الاميركيون ولا الموالون لهم في لبنان تمريره، فالمعارضة اللبنانية تملك من الامكانيات والطاقات الشعبية لرفض اي مشروع يبغي اخراج لبنان عن مساره المقاوم، ولديها من القدرة على ايقاف اي حل لا يؤمّن الشراكة الحقيقية ويخل بالتوازن الوطني.
الانتقاد/ العدد1265 ـ 2 ايار/ مايو 2008