ارشيف من : 2005-2008

لم يستطع استعادة هويته اللبنانية برغم أن والده فدا بلده بروحه: حسن حسن حسينتو كوبي "بكل فخر"

لم يستطع استعادة هويته اللبنانية برغم أن والده فدا بلده بروحه: حسن حسن حسينتو كوبي "بكل فخر"

فتح الطفل حسن عينيه على هذه الدنيا، فلم يعرف منها سوى صورة ذاك الشاب وهو يرتدي بزّّة خضراء بلون أوراق سنديان مشغرة، السنديان الذي تعلم منه أن لا يلين يوماً أمام العواصف والرياح العاتية مهما اشتدّت، وأن يبقى شامخاً بكل عزّة وكبرياء، والبسمة التي ما فارقت فمه يوماً، بقيت تؤرخ لحكايةٍ بنهايةٍ سعيدة، حكاية انتصارٍ بانت تباشيره في ذاك الشهر، فهو أيّار المقاومة والتحرير.
الشاب هو الشهيد المجاهد حسن حسينتو الشيخ من بلدة مشغرة في البقاع الغربي، وذاك الشهر، هو شهر شهادة وولادة، شهادة (حسن) المجاهد، وولادة (حسن) المقاوم.
برغم عودة الأجداد من بلاد الاغتراب في كوبا، إلا أنهم لم يستطيعوا استعادة جنسية الوطن الأم لبنان، وبقي حالهم أنهم مواطنون كوبيون يعيشون في لبنان. هذه الظروف لم تمنع (حسن) من القيام بواجبه اتجاه وطنه ووطن أجداده وآبائه، ودافع عن كل حبة تراب فيه، رحالة بين المحاور، يرصد جنود العدو الإسرائيلي هنا، ويكمن لدورية عميلة هناك، حتى دقت الساعة التي نادت فيها أرض الجبور ونيحا ذاك المقاوم، فاختار الدفاع عن الأرض والعرض، لأن الحفاظ على تراب الوطن هو حفظ للكرامة وللسيادة والحرية والاستقلال. وأرسل إلى مولوده حسن الذي لم يره أنّ اللقاء في جنان الله، مع الأولياء والصالحين والشهداء. 

لم يستطع حسن (المشغراني) ابن الشهيد، استعادة الهويّة اللبنانيّة لتعقيدات غير مقنعة من قبل الجهات الرسمية المعنيّة في لبنان، وأيضاً لم يُقدّر له الحصول على الجنسية الكوبية لاعتبارات تحكمها الأنظمة والقوانين الكوبيّة المرعيّة الإجراء، وعلى الرغم من المتابعات الحثيثة مع الجهتين المذكورتين إلا أن النتيجة كانت دائماً غير مرضية... وبقي حسن بلا جنسية.
المفاجأة أتت عبر اتصال من السفارة الكوبية تخبر العائلة بأنها بصدد زيارة منزل الشهيد واللقاء بعائلته، وقد حضرت إلى مشغرة على رأس وفد رفيع المستوى، الوزيرة المستشارة والقنصل في السفارة الكوبية السيدة مارييا إيسابيل، وكان في استقبالها عائلة الشهيد ومسؤول حزب الله في البقاع الغربي الشيخ محمد حمادي والمسؤول السياسي لحزب الله في البقاع الحاج أحمد حرب، وقد تحدّثت السيدة إيسابيل في منزل العائلة قائلة: "لقد تم رفع ملف حسن إلى وزير الداخليّة في كوبا، وبعد دراسة عميقة لهذا الملف صدر قرار بمنحه الجنسية الكوبية، ذلك بشكل أساسي، تقديراً لتضحيات هذا الشعب المناضل والمكافح والمقاوم وتقديراً لتضحيات والده الشهيد، واعتقدنا في كوبا أنّه يستحق هذه الجنسية بكل فخر طبعاً"، وأضافت السيدة إيسابيل: "الشعب الكوبي من أكثر الشعوب التي يمكن أن تقدر تضحيات الشعب اللبناني المقاوم الذي يتعرض لاعتداءات كثيرة ومستمرة من العدو الإسرائيلي، نحن في كوبا أيضاً شعبنا مقاوم، وهو يتعرض منذ 50 سنة لكل أنواع الاعتداءات من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي يعرف معنى الصمود والمقاومة والتضحيات"، كما قالت السيدة إيسابيل: "صحيح أن حسن طفل صغير، لكننا نرى فيه روح المقاومة أيضا، وأنَّ ما أُعطي لحسن يُعطى للمقاومة، ونحن نتمنى عندما يكبر حسن أن تكون مقاومته قد حقّقت الانتصار الكامل وهزمت إسرائيل الهزيمة النهائيّة، وأن تكون كل شعوب العالم قد هزمت المشروع والمخطّط الأميركي". بدوره شكر المسؤول السياسي في البقاع الحاج أحمد حرب جمهورية كوبا على لفتتها التي بخلت بها الحكومة اللبنانيّة في إعادة الجنسية اللبنانيّة إلى أحد أبنائها، وليس بأحد عادي، بل هو شهيد دافع عن لبنان واستشهد لأجله، وقال: "نحن نقدّر جمهورية كوبا أكبر تقدير، ونعرف أن هذه الدولة التي صمدت منذ نصف قرن بوجه ظلم الولايات المتحدة الأميركيّة، استطاعت أن تبرهن حضورها على الساحة الدوليّة على الصعيديدن السياسي والاقتصادي"، وأضاف حرب: " نستطيع أن نقول لكم إنّكم لم تعطوا هذه الجنسية لغريب، بل أعطيتموها لمقاوم وابن مقاوم، فهذا المقاوم يعرف تاريخ كوبا وتاريخ بلاده جيداً، لذلك فإن هذا الشهيد الذي قصّرت الجهات المعنيّة في الدولة اللبنانيّة بحقّه كثيراً ولم تعطه حقه، ليس علينا إلا أن نشكركم، لأنكم آمنتم به كمواطن كوبي وكمقاوم هنا، دفع دمه في سبيل حريته وحرية أهله وبلاده". أما الختام فكان لحسن الذي يحتفظ حتى الآن ببندقيّة والده، ويرسم على شفتيه ابتسامة حسن الشهيد، ويعد الجميع: "بأنّه سيبقى في لبنان ليكمل طريق والده"، كما أنّه لم ينس أن يوجه الشكر والتحيّة لكوبا على هذا التكريم، المتمثّل بمنحه الجنسيّة الكوبية.
السلطة اللبنانية التي لا تعرف أنّه لولا دماء الشهيد حسن لما بقي لهم لبنان ليحكموه ويتحكّموا بمقدّراته، لكن كوبا التي ازدادت شموخاً وإباء بتكريمها لشهيد لبنانيّ مقاوم، وطئت أقدام أجداده في يوم من الأيام، أرض كوبا، نعم فهكذا هو عهد الأحرار في العالم.
ماهر قمر
الانتقاد/ العدد1265ـ 2 ايار/مايو2008

2008-05-01