ارشيف من : 2005-2008
جنبلاط يحاول التموضع بين المعارضة والسلطة: الحوار مع بري والمواجهة مع حزب الله وعون
دبّ الذعر في فريق السلطة عندما قابل النائب وليد جنبلاط خطوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري بخطوتين اثنتين، وامتدح طاولة الحوار واقترب منها مسافة كافية لإطلاق صفّارات الإنذار وتحريك جمود زعيم تيار المستقبل وانتقاله من مقرّ إقامته في الرياض الى بيروت.
ذعر السلطة من قريطم حتى معراب انتقل الى نوّابها ووصل الى واشنطن، ما استدعى زيارة مفاجئة لديفيد وولش مساعد وزيرة الخارجية الأميركية الى بيروت أعاد فيها ترميم ثورة الأرز، وتحويلها الى "مؤسسة سياسية فاعلة"، وطلب من قادتها مواصلة الدفع باتجاه رئيس الجمهورية من دون شروط مسبقة خلافاً لسلة المبادرة العربية، على أساس أن الانتخاب المشروط يعزز سلطة المعارضة ويضعف سلطة السنيورة، لذلك فإن واشنطن ترى أن بقاء الحكومة الحالية، والمجلس النيابي الحالي، أفضل من إنتاج سلطة توافقية.
بعض الذين يفهمون عقل وليد جنبلاط يؤكدون أنه لا يقرأ الوقائع اللبنانية بمعزل عما يجري في المنطقة وعواصم صنع القرار، ويؤكدّ أن هذا الزعيم الدرزي لن يغادر المعسكر الأميركي كما اعتقد بعض أقطاب السلطة، إنما يحاول أن يتموضع من جديد استناداً الى معطيات اقليمية ودولية عدةّ توافرت لديه، يمكن أن تنعكس على لبنان قريباً، وأبرز هذه المعطيات هي:
1. انحسار الجدل داخل الإدارة الأميركية بما فيها كبار الجنرالات في الجيش والاستخبارات حول الملف النووي الإيراني، وأعلن الرئيس الأميركي جورج بوش نتيجة هذا الجدل بأن لا حرب أميركية ايرانية، علماً أن أصدقاء جنبلاط في واشنطن كانوا قد أطلعوه على مجموعة من السيناريوهات المتعلقة بإيران كلها تنتهي بضربة خاطفة تضعف طهران، لكنها لن تسقط نظامها، إلاّ أن تصريحات بوش التي استبعد فيها ضرب إيران وأجّل سحب قواته من العراق أحدثت صدمة في تحليل المختارة.
2. الإعلان التركي ـ الإسرائيلي ـ السوري عن وجود اتصالات سياسية غير مباشرة حول الجولان السوري المحتل يقوم بها الوسيط التركي منذ سنة، وبالرغم من قناعة جنبلاط بأن الإسرائيلي لا يمكن أن يتنازل عن الهضبة السورية مهما كان الثمن، فإن فتح قناة تركية بين اسرائيل وسوريا قد يسمح بحصول مساومات على الملف اللبناني.
3. الانحياز العربي الى فريق السلطة، وإصرار السعودية ومصر على انتخاب الرئيس التوافقي بدون التوافق سيفشل المبادرة العربية ويمنعها من الوصول الى مبتغاها، وهو إنتاج الحل وفق صيغة لا غالب ولا مغلوب.
الى جانب هذه المعطيات بات بالنسبة لجنبلاط وفريق السلطة من المسلّم به أن الإدارة الأميركية قد اتخذت قرارات كبيرة تتعلق بإيران والعراق وسوريا ولبنان، وهذه القرارات لن تتأثر كثيراً بنتائج الانتخابات الأميركية المقبلة، ومن هذه القرارات دعم حكومة الرئيس فؤاد السنيورة والمحافظة على استمرارها، والتمديد للأكثرية البرلمانية من خلال تنظيم الفراغ الرئاسي وإدارته الى حين الاتفاق على تمديد ولاية البرلمان الحالية، وترك الحالة اللبنانية معلقة بانتظار الانتهاء من مخاض الشرق الأوسط الجديد.
انطلاقاً من هذه القراءة تقدّم جنبلاط أكثر من خطوة باتجاه طاولة الحوار التي دعا اليها الرئيس بري، لكنه سرعان ما توقف في مكانه تحت ضغط فريق النائب سعد الحريري في قوى 14 شباط ولا سيما الأعضاء الذين يرتدون القميص المسيحي.
أجبرت خطوات جنبلاط النائب سعد الحريري على العودة الى بيروت والقيام بجولة من اللقاءات والاتصالات انتهت بلقاء لأبرز قوى 14 شباط حدّدت فيه موقفها من حوار بري على الشكل التالي:
- رفضت "ثورة الأرز" وجهة نظر جنبلاط ولم توافق على تلبية دعوة بري للحوار، وكلّفت سعد الحريري بصفتيه "رئيس كتلة نواب المستقبل وزعيم السنة في لبنان" التحاور مع بري للوصول الى الانتخابات الرئاسية.
- التلويح بالعودة الى خيار النصف زائد واحد في الجلسة المقبلة التي حددها الرئيس بري في 13 أيار الجاري، واعتبار هذا التاريخ نقطة محورية في الأزمة السياسية الحالية، ومن بعده سيكون لقوى السلطة كلام جديد.
خلال اجتماع قريطم وقبل تكليف الحريري فتح حوار مع رئيس البرلمان سمع جنبلاط عتاباً شديد اللهجة من سمير جعجع وأمين الجميل وفارس سعيد حول مواقفه المتساهلة مع الرئيس بري، فطمأن جنبلاط أصدقاء ثورته بأنه ثابت على مواقفه ويعمل في إطار التوجهات المتفق عليها لجهة الفصل بين بري والمعارضة، وشق صفوف المعارضة، وأوضح جنبلاط أن تلبية دعوة بري لطاولة الحوار كانت تهدف الى شقّ المعارضة، لأن الاستجابة لحوار بري تعني إقصاء الجنرال عون وإبعاده من منصب المفاوض باسم المعارضة الوطنية، كما تهدف الى دقّ أسفين بين الرئيس بري وحزب الله.
ونقل عن لقاء قريطم أن جنبلاط عرض دليلاً على حسن نواياه ما جرى في قضية النائب الإشتراكي الفرنسي "كريم بكازاد" في الضاحية الجنوبية لبيروت، وما أعقب حادثة توقيفه أثناء التصوير خلال المؤتمر الصحافي، حيث دل ذلك على الموقف الإيجابي من بري مقابل الموقف السلبي من حزب الله.
قاسم متيرك
الانتقاد/ العدد1265ـ 2 ايار/مايو2008