ارشيف من : 2005-2008
حادثة سجن رومية.. والخوف على الضبّاط الأربعة
مرّة جديدة يثور نزلاء سجن رومية المركزي، وهو أكبر السجون في لبنان، على وضعهم الحياتي الصعب والمرير، حيث يعيشون ظروفاً إنسانية مأساوية على مرأى ومسمع من الحكومة اللبنانية التي لم تكلّف نفسها عناء البحث عن حلّ جذري للعديد من المشاكل الموجودة داخل هذا "الفندق الضخم".
فالأسباب الموجبة لهذا الاحتجاج العلني باتت على كلّ شفة ولسان ومنذ سنوات وسنوات، ويتناقلها القضاة والمحامون والسجناء وأهاليهم، وأبرزها الاكتظاظ، وانعدام الصحّة، وانتشار الأوبئة والجراثيم والمخدّرات بين السجناء الذين قطعوا الأمل بأيّ علاج، فقرّروا الغوص عميقاً في مصائبهم.
وما زاد من وتيرة هذا التحرّك اندفاع الفلسطيني يوسف شعبان المحكوم منذ العام 1995، في جريمة اغتيال الدبلوماسي الأردني نائب عمران المعايطة في بيروت في العام 1994، بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة، للتعبير عن سخطه من الزجّ به وراء القضبان، من دون أن تكون له أيّة علاقة بهذه الجريمة، وهو ما أكّدته محكمة أمن الدولة في الأردن بإصدارها حكماً بإعدام الفاعل الحقيقي مع المشاركين، وتزويدها القضاء اللبناني ممثّلاً بالمجلس العدلي، نسخة عن هذا الحكم، لكن جرى إهماله وتأكيد الحكم اللبناني على شعبان انطلاقاً من مقولة خاطئة مفادها أنّه من يقول إنّ الحكم الأردني هو الصحيح، طالما أنّ شعبان "اعترف" بمشاركته في الجريمة أمام القضاء اللبناني الذي استند إلى عمل الضابطة العدلية!.
ومع أنّه تمّ تقديم طلبين لإعادة محاكمة شعبان، إلاّ أنّهما ردّا سريعاً، ليبقى في السجن، بانتظار قيام رئيس الجمهورية اللبنانية بإصدار عفو خاص عنه نظراً لعدم علاقته بالجريمة المنسوبة إليه على حدّ تعبير وكيلته المحامية مي الخنساء.
وبدأ الاشكال داخل مبنى المحكومين بين شعبان والعسكري المولج بالحراسة إثر بدء انتهاء فترة الفسحة في الباحة الداخلية للسجن، وتطوّر إلى تضارب ومشاركة السجناء فيه، واحتجازهم لستة عسكريين آخرين، وإحراق فرش الاسفنج والبطانيات والحاجيات الموضوعة بخدمتهم.
واستغلّ السجناء "موقعهم التفوّقي" على عناصر قوى الأمن الداخلي، وراحوا يطالبون بجملة أمور لتحسين ظروف حياتهم، وتخفيف العقوبات الصادرة بحقّهم عن القضاء كما كانوا موعودين سابقاً وهو ما لم يتمّ، حتّى أنّ هناك سجناء أمضوا محكوميتهم وخرجوا من "رومية" قبل أن تتمكّن اللجنة المولجة بالنظر في ملفّات السجناء، من البتّ في مصير تخفيض عقوباتهم.
الضباط الأربعة
ولكنّ تحرّك السجناء يوم الخميس الواقع فيه 24 نيسان/ أبريل 2008، اتخذ إطاراً أوسع مع تسريب خبر عن وجود نيّة لنقل الضبّاط الأربعة المعتقلين سياسياً في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري من هذا السجن إلى سجن "القبة" في مدينة طرابلس، وهو ما عاد وأكّده مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، على الرغم من خطورته على سلامة هؤلاء الضبّاط الموضوعين أساساً في مبنى غير قانوني بإمرة "فرع المعلومات".
وقد أبدت عائلات الضبّاط خشيتها من وجود قرار بالتخلّص من هؤلاء الضبّاط الذين فضح اعتقالهم المستمرّ منذ 30 آب/أغسطس من العام 2005، من دون دليل، المأزق السياسي لفريق السلطة الذي لم يتوان عن التلاعب بالتحقيق لغايات باتت معروفة.
وعند الساعة الواحدة والنصف من فجر يوم الجمعة، انتهى "تمرّد" السجناء على وعد بالنظر في مطالبهم، وهم سمعوه أكثر من مرّة، من دون أن ينتهي القرار بـ"تأديبهم" حيث تقرّر تفريق المشاركين عن بعضهم، ونقلهم إلى سجون أخرى في غير منطقة لبنانية، تمهيداً لمحاكمتهم أمام المحكمة العسكرية بجرائم القيام بأعمال شغب واحتجاز حرّية عسكريين خلال قيامهم بوظيفتهم، وإضرام النار في السجن.
وإن كانت هذه العقوبة لن تؤثّر على من اعتاد تجرّع مصائب ومصاعب سجن "رومية"، طالما أنّه مسجون، فإنّ وزارة الداخلية باتت أمام مسؤولية كبرى لعدم تكرار عمليات الاحتجاج، فتقوم بالأعمال القانونية والإصلاحات الواجبة لتطوير هذا السجن وتحسينه، لأنّ الغاية من السجن ليست زيادة حالات الإجرام وتنمية لغة التمرّد والحقد داخل المساجين، بل إصلاحهم لكي يتعلّموا من أخطائهم وخطاياهم، ويخرجوا إلى المجتمع ليندمجوا فيه وكأنّهم ولدوا من جديد.
علي الموسوي
الانتقاد/ العدد1265 ـ 2 ايار/ مايو 2008