|
الدمار في بعلبك بعد العدوان |
لعل من ابرز المشاكل التي تواجه أهالي البقاع بشكل عام هي مشكلة الضم والفرز للأراضي، وهذه القضية تساهم الى حد كبير في المخالفات والنزاعات على كل المستويات, فضلا عن عدم تمكن المواطنين من الاستفادة من ارضهم على مستوى المعاملات الرسمية والمالية لجهة البناء او الاقتراض او البيع مع الفوارق الكبيرة في الاسعار مع الاراضي المفروزة, ولم يتمكن احد من الاجابة عن السؤال المنطقي: ما هي مصلحة الدولة من اهمال هذا الملف على الرغم من سيل المطالبات الشعبية والبلدية والنيابية لسنوات طوال وقبل تفاقم الازمة السياسية في البلد.
اليوم وفي مدينة بعلبك احدى اهم المدن اللبنانية عراقة ومواطنة برزت هذه المشكلة للعلن بعد انتهاء العدوان الاسرائيلي في تموز 2006، والذي نالت منه بعلبك مئات الغارات وآلاف الاطنان من المقذوفات، فدمرت وتضررت اربعة الاف وحدة سكنية في المدينة, تركزت معظمها في احياء العسيرة, الشيخ حبيب وبعض الاماكن الاخرى, الا ان النسبة الكبرى من الدمار تركزت في هذه الاحياء التي لم تنعم بالفرز والضم او هي مشاعات لم يكن يستفاد منها وأذنت البلدية لهؤلاء الاهالي المستضعفين والذين لا يملكون اراض للبناء عليها منذ سنوات.
الرفاعي: ما يجري من قبل وزارة المهجرين والهيئة العليا للاغاثة هو سياسة غير عادلة
|
آلاف المتضررين الفعليين لم ينالوا حتى اليوم أيا من حقوقهم والحجة الرئيسية ان منازلهم في ارض المشاع, في حين ان الكثيرين ممن يسكنون على بعد كيلومترات من الاماكن المستهدفة ولم ينلهم أي ضرر او أذى حصلوا على تعويضات معينة كون ارضهم مملوكة لهم.
"المماطلة والتسويف التي تحصل في هذا الملف" ردها رئيس بلدية بعلبك بسام رعد الى "كيدية سياسية تتعاطى بها الحكومة مع هذه المنطقة عقابا لها على مواقفها السياسية المعلنة والداعمة للمقاومة", واستصغر "قدر المواقف الرسمية في التعاطي مع ملف التعويضات التي نجمت عن الحرب والتي لم ترق الى مستوى الانتصار المشرف الذي حققته المقاومة بشهدائها ومجاهديها وقادتها وصمود شعبها".
لم تزل العائلات المتضررة وخصوصا على مستوى الدمار الكلي تعيش الضياع مع هذا الاستهتار الرسمي إن على مستوى مسح الاضرار او على مستوى التعويض وقيمته، او على مستوى انجاز المسح, وهذا ما يسبب ضغطا على البلدية التي يراجعها الاهالي لمعرفة مصيرهم الاجتماعي، ويعرب رعد عن اسفه لـ"التعاطي الكيدي من قبل المعنيين الذين يراعون المحسوبية والمزاجية ويخترعون عراقيل متجددة عند كل مراجعة، ويرفعون الامر الى القصر الحكومي ما يعني ان العرقلة هي من اعلى سلطة غير شرعية في البلد".
ويؤكد رعد ان "من اهم العراقيل مشكلة البناء في المشاعات، فالبلدية تعهدت بحل هذا الموضوع على قاعدة التعويض وعدم البناء في المشاع، ولكن ليس هناك نوايا للتعويض لان هناك مناطق معينة حلت امورها بورقة من المختار", متمنيا ان "ينصفوا الناس المستحقين، الذين ليس لهم مكان يأوون اليه، وهؤلاء الناس صابرون ولكن سيأتي يوم لا يمكن فيه استمرار الصبر، وسنترك للناس حينها خيارات التحرك".
رعد: ألفا وحدة سكنية متضررة من أصل أربعة آلاف لم يتم الكشف عليها حتى الآن |
واكد رعد ان "من واجبنا ان نكون مع اهلنا ونؤمن لهم حقهم، ولكن التجاوب الرسمي ما زال خجولا اذ ان هناك نحو الفي وحدة سكنية متضررة من اصل اربعة الاف لم يتم الكشف عليها".
واقع الحال ان كل الركام قد ازيل من مكانه بعد هذه المدة الطويلة، وقد لفت المتضررون الى ان قيمة المسح تكون مغايرة للواقع بناء لتقديرات (خطيب وعلمي) علما ان مسحا حصل مباشرة بعد توقف العدوان يثبت حجم الاضرار وذلك من قبل وزارة المهجرين، وعليه يمكن مراجعة هذه المسوح الاقرب الى الواقع.
البلدية وضمن الامكانيات المتوافرة لها رفعت اثار العدوان وانقاض الحرب بالاشتراك مع الدفاع المدني، وقامت بإصلاح الاضرار في البنى التحتية والطرقات والارصفة وتعبيد وتأهيل الطرقات، وللاسف لم تقدم الدولة أي شيء للمساعدة في هذا المجال، في حين قدمت الجمهورية الاسلامية الإيرانية مبلغ مليون ومئتي الف دولار، وبمساعدة برنامج الامم المتحدة الانمائي وبتمويل من السفارة السويدية تم انجاز طريق وادي السيل, في حين قدمت المنظمة الدولية للهجرة 31 منزلا جاهزا لايواء 31 عائلة من اصحاب البيوت المدمرة، واطلق عليها "قرية النصر"، وبعد انجاز الاعمار وعودة الناس الى بيوتها ستعود ملكيتها للبلدية التي ستستقبل فيها الوفود الرسمية والرياضية وغيرها.
ويؤكد عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب كامل الرفاعي ان "ما يجري من قبل وزارة المهجرين والهيئة العليا للاغاثة هو سياسة غير عادلة تدخل فيها الكيدية والمحسوبية، علما ان هذه الاموال هي حق لابناء هذه المنطقة وليست منة من هذه الحكومة الفاقدة للشرعية، لافتا الى التعاطي السيئ وغير العادل من قبلها، وبرغم المراجعات المتكررة من تكتل بعلبك الهرمل وبلدية بعلبك واصحاب الحقوق، وبرغم الوعود التي اغدقت علينا من قبل المسؤولين في هيئة الاغاثة، ولكن الواقع على الارض يخالف هذه الوعود التي لم ينفذ منها شيء، وكأن المقصود هو معاقبة ابناء هذه المنطقة على خيارهم السياسي المتمثل بالالتزام بفكر المقاومة ثقافة وممارسة", مشيرا الى ان "هناك الكثير الكثير من السلبيات التي نعاينها على الارض، حيث ان الكثير من الاموال تدفع لمن لم يتضرر وملفاتهم مشكوك فيها، ولكن ولاءهم السياسي لبعض اقطاب السلطة، ما جعل هيئة الاغاثة تتعامل بمعيارين", لافتاً الى انه "لا بد من اتخاذ اجراءات ضد هذا الواقع للوقوف مع اهلنا وهذا يتطلب لقاءً موسعاً بين نواب المنطقة ورؤساء البلديات والمندوبين عن المتضررين لوضع خطة تأتي بنتائج ايجابية في هذا الظرف العصيب حيث ان السلطة واتباعها مكشرة عن انيابها بوجه اصحاب الحقوق".
ورأى الرفاعي ان "عدم فرز الاراضي ليس ذنب الناس انما هو مسؤولية الدولة، حيث ان هناك اكثر من مشروع قانون امام السلطة التنفيذية، وتمكن نواب المنطقة من وضع مبلغ من المال في الميزانية السابقة للحكومة بشأن عملية الفرز والضم الا ان تلكؤ السلطة واستهتارها بهذه المنطقة منع ذلك".
مشيراً الى ان "الكلام مع مدير عام المهجرين حول الموضوع وشرحه له ادى الى الاتفاق على ان الافادة الصادرة عن أي بلدية من بلديات بعلبك هي صالحة لتكملة المعاملة", مؤكداً ان "الكثير من المعاملات هي قانونية مئة بالمئة، ومع ذلك لم تصرف الاموال لغاية الان، فالقضية ليست قضية اراض مفرزة، وانما هي قضية تسويف ومماطلة لعدم اعطاء المتضررين حقوقهم".
اصحاب الحقوق اجمعوا على ان عدم دفع الاموال لاصحابها هو لغاية سياسية لعلهم يرجعون عن قضيتهم وفكرهم المقاوم وينادون بما ينادي به ابواق 14 شباط، وهذا ما لن ينالوه، ولن نترك حقوقنا كما لم نترك ارضنا ومقاومتنا.
تحقيق وتصوير:عصام البستاني
الانتقاد/ العدد1265 ـ 2 ايار/ مايو 2008