ارشيف من : 2005-2008
مباحثات على وقع المجازر بالفلسطينيين
غزة ـ عماد عيد
وحدها ظلت عمليات القتل الصهيونية بحق الفلسطينيين مقابل جهود التوصل إلى التهدئة التي ترعاها العاصمة المصرية القاهرة.. فقد كثف الجيش الصهيوني من توغلاته في قطاع غزة على مدار الأسبوع الماضي كلما كثفت مصر والفصائل الفلسطينية الحديث عن التهدئة وإمكانية القبول بها.. وكما دلت التطورات على الأرض فان القوات الصهيونية توغلت بشكل يومي تقريبا على امتداد الشريط الحدودي مع القطاع من الناحيتين الشرقية والشمالية، وتضمنت عمليات التوغل تجريف وتخريب مزروعات وأشجار ومنشآت وممتلكات، وتنفيذ غارات وقصف مدفعي في هذه المناطق..
ابرز هذه التوغلات كان التوغل الذي توج بمجزرة صهيونية أودت بحياة أم وأطفالها الأربعة إلى جانب ثلاثة مواطنين آخرين احدهم فقط من عناصر حركة الجهاد الإسلامي.. المجزرة وقعت عندما توغلت القوات الصهيونية غرب بلدة بيت حانون شمال القطاع واندلعت اشتباكات مع مقاومين فلسطينيين سرعان ما تدخلت الطائرات الصهيونية وقصفت بعدة صواريخ هذه المنطقة. احد هذه الصواريخ استهدف منزلا يبعد مئات الأمتار عن ساحة المعركة وداخل المنزل كانت الصدمة.. الأم تحاول إطعام صغارها في ساعات الصباح لكن الأمر انقلب فجأة إلى دماء وأشلاء وأشياء متناثرة وسقوط أفراد الأسرة ما بين شهيد وجريح، فبالإضافة إلى الأم ورضيعها والأطفال الثلاثة الآخرين ما زال اثنان يرقدان على أسرة المستشفيات للعلاج من جروح ستبقى ابد الدهر..
هذا التوغل جاء بعد يوم واحد فقط من توغل آخر في منطقة الشيماء ببيت لاهيا شمال القطاع اقتحمت خلاله القوات الصهيونية منزلا فقتلت طفلة واعتقلت عددا آخر وأصابت آخرين ودمرت منزلا بالقصف والتخريب بحجة البحث عن احد قادة حركة حماس الذي تعود ملكية هذا المنزل له ويدعى حسن معروف. وبحسب المصادر الفلسطينية فان قوات الاحتلال الصهيوني اعتقلت شقيق حسن في هذه العملية..
ولكن الأهم أن هذه التوغلات تأتي بالتزامن مع مغادرة وفود الفصائل الفلسطينية إلى العاصمة المصرية القاهرة وذلك للبحث مع المسؤولين المصريين في إمكانية التوصل إلى تهدئة مع الكيان الصهيوني، وهو ما قد يشير إلى أن العدو لا يريد تهدئة بهذه الشروط التي تعرضها مصر ووافقت عليها حماس حتى وان كانت في غزة لوحدها كخطوة تتبعها أخرى بعد ستة أشهر إلى الضفة الغربية..
وعليه فان العدو كثف من توغلاته وعمليات الاعتقال في الضفة الغربية التي طالت العشرات من المواطنين الفلسطينيين هناك كي يبقي عملية الضغط مستمرة ومكثفة على الفصائل حتى على طاولة المفاوضات مع المسؤولين المصريين، ولكنها رسائل تفهمها المقاومة الفلسطينية فلم تقف مكتوفة الأيدي إزاء هذا العدوان المتواصل وبدون استثناء تبنت الفصائل الفلسطينية اطلاق صواريخ على الأهداف الصهيونية خصوصا بلدة سديروت ومدينة عسقلان الصهيونيتين شمال قطاع غزة، بالإضافة إلى الاستبسال في مواجهة التوغلات التي أسفرت عن إصابة عدة جنود اسرائيليين، وهو ما يعزز القناعة بأن تحسنا كبيرا طرأ على أداء المقاومة الفلسطينية في مواجهة الوسائل القتالية الصهيونية..
وحسب المصادر المطلعة فان الفصائل الفلسطينية وافقت على الورقة التي وافقت عليها حركة حماس إزاء التهدئة غير أن تحفظا سجلته غالبية الفصائل إزاء المدة وهي ستة أشهر، فيما طالبت الفصائل أن لا تتجاوز هذه المدة الثلاثة أشهر، في حين قالت حركة الجهاد الإسلامي ان أي هدنة لا تلزم العدو بوقف هجماته لا تلزم الحركة، وان أي عملية اغتيال تنفذها القوات الصهيونية في الضفة الغربية فان الحركة تحتفظ بحق الرد على هذه العمليات على اعتبار أن عمليات الاغتيال والاعتقال في الضفة تستهدف في غالبيتها كوادر حركة الجهاد الإسلامي بشكل خاص في شمال الضفة الغربية، وخصوصا في جنين وطولكرم والقرى المحيطة بهما، مع تأكيد الحركة أنها لن تكون حجر عثرة أمام الإجماع الفلسطيني خصوصا إذا ما كان مقدمة لعودة الحوار ولكن ضمن هذه الشروط.
وجدير بالذكر أن الحركة لم توفد ممثلين لها من قطاع غزة كما فعلت كل الفصائل وإنما اكتفت بإرسال نائب الأمين العام للحركة زياد النخالة وممثل الحركة في لبنان أبو عماد الرفاعي.. غير أن جهود التهدئة لا بد أن تضمن رفع الحصار أو التخفيف منه، بمعنى آخر أن يتم فتح معبر رفح على الأقل وهذا ما قاله الدكتور محمود الزهار القيادي في حركة حماس بعد عودته من مصر، وقد أكد الزهار أن وفد الحركة لن يعود إلى القاهرة بهذا الشأن من جديد، وان رئيس المخابرات المصرية هو من سيتولى إعلان نجاح أو فشل الجهود في ضوء زيارته المرتقبة إلى الكيان الصهيوني.. الزهار أكد أن على مصر أن تفتح معبر رفح سواء قبلت إسرائيل أو رفضت التهدئة، وان المراقبين الأوروبيين لا تقبل حماس بوجودهم إذا كانوا فقط أداة في يد الصهاينة دون دور فاعل إزاء الغطرسة الصهيونية..
غير أن السؤال الأهم في هذا السياق يبقى هل ستقود هذه الجهود إلى حوار فلسطيني شامل يفضي إلى إنهاء حالة الانقسام الحالية التي تحبط حتى الآن أي مصلحة للفلسطينيين.. هذا هو السؤال الذي ينتظر الإجابة عنه كثير من الناس، وهو أمر يبدو وكأنه بعيد المنال ويحتاج إلى جهود اكبر طالما بقيت الأطراف على حالها ومتمسكة بتفاصيل هذه المواقف في ضوء ما جرى في قطاع غزة، وخصوصا ان الكيان الصهيوني ما زال يستغل هذا الانقسام على أكمل وجه ولا يريد لا تهدئة ولا مصالحة ولا جهودا يمكن أن تفضي إلى إنهاء هذا الانقسام، ويعمل بكل الوسائل وبكل الأسلحة حتى عبر قضية الاغتيالات والتوغلات والاعتقالات والتصعيد من اجل ترسيخ هذا الانقسام وليس إنهائه.
وطالما أن الجهود المبذولة الآن يراد لها أن تكون خطوة باتجاه الحوار فان نجاحها أمر مشكوك فيه على انه يمكن للعدو أن يناور مع الأطراف الفلسطينية فيظهر وكأنه يريد تهدئة ويظهر وكأنه يزيل حاجزا في الضفة الغربية ويعطي تسهيلات ويراد من وراء ذلك كسب الوقت لتمرير الاحتفالات بالذكرى الستين لإقامة الكيان الصهيوني على حساب الشعب الفلسطيني، وخصوصا ان الرئيس الأميركي جورج بوش سيشارك في هذه الاحتفالات، وعليه فان الأوضاع في الأراضي الفلسطينية ستبقى مرهونة بهذه المعادلة إلا إذا كان هناك تغيرات تتبعها قرارات إستراتيجية.
الانتقاد/ العدد1265ـ 2 ايار/مايو2008