ارشيف من : 2005-2008
ميليشيا تيار المستقبل تشعل حرب الشوارع لحساب "اسرائيل"
نزع تيار المستقبل مرة جديدة القناع عن تنظيمه وظهر أمام العالم على حقيقته، مجرد ميليشيا عسكرية كانت تتلطى بين الأحياء الشعبية وتتمركز في شقق سكنية تحت عناوين وهمية لمكاتب اجتماعية وثقافية.
وما كان يعتبره التيار سراً انكشف في مركز النويري الواقع في بناية بنك مصر ـ لبنان، وما بثته وسائل الاعلام ليس سوى القليل من كثير صادرته مخابرات الجيش وغنمه أهالي الحي الذين ساهموا في تسليم المركز بمن فيه الى القوى الشرعية، بعد تسهيل وصول شباب المعارضة اليه ومحاصرته ومنع نحو عشرين مسلحاً كانوا بداخله من الاستمرار في الاعتداء على السكان، واستخدامهم دروعا بشرية أو رهائن.
شهود عيان من منطقة النويري أكدوا ان أكثر من نصف المسلحين في المركز استقدموا قبل يومين فقط من خارج المنطقة، وعلى الأرجح من الشمال، ومعظمهم لا يعرف الطرق الفرعية في النويري، لذلك رفضوا اخلاء المركز بعد محاصرتهم بداخله، وقرروا الاستسلام للأهالي ولشباب من المعارضة حضروا الى المكان وتولوا حمايتهم بانتظار وصول دورية من ضباط وعناصر من الجيش اللبناني قامت باعتقالهم وسحبهم من الحي.
ووجدت مخابرات الجيش والمعارضة والأهالي داخل المركز أدلة داغمة تؤكد ان مركز النويري جرى تأهيله لخدمة مجموعة عسكرية، وهو مجهز بمعدات قتالية من أسلحة رشاشة وقنابل وذخائر، وأجهزة اتصال لاسلكية محمولة وسلكية ثابتة، وأجهزة خلوية وكمبيوترات، اضافة الى تخزين مواد تموينية تكفي لصمود المركز شهرين متتاليين.
مثل هذا المركز العسكري التابع لتيار المستقبل يوجد أكثر من مئة في بيروت، يتموضع فيها نحو 2000 شاب مسلحين بالأسلحة الرشاشة وقواذف "الآر بي جي" والقنابل اليدوية. وإلى جانب هذه النقاط الظاهرة يتمركز عناصر أخرى من تيار المستقبل في شقق سكنية غير معروفة للمواطنين ستشكل مفاجأة في أي مواجهة مع المعارضة. وبحسب معلومات من الأهالي فإن بعض سكان هذه الشقق التابعة لتيار المستقبل هم شباب من جنسيات مصرية وأردنية.
في الليلة التي اتخذت فيها حكومة السراي قرار مصادرة شبكة اتصالات المقاومة وملاحقة أصحابها أمام القضاء، استنفر تيار المستقبل جميع عناصره، ولا سيما مجموعات السلاح في المراكز، التي سبق تدريبها في معسكرات خاصة داخل لبنان وخارجه أيضاً تحت ساتر تدريب عناصر تابعة لشركات أمنية، وجرى تكليفها بمنع المسيرة العمالية من الوصول الى هدفها في منطقة الحمرا، حتى لو اقتضى الأمر استخدام السلاح، بحجة ان المعارضة تريد السيطرة على بيروت لمنع نواب الأكثرية من انتخاب رئيس للجمهورية في 13 أيار.
كانت المنشورات والقنبلة الصوتية التي ألقاها عناصر المستقبل في كورنيش المزرعة ومناطق أخرى من بيروت لمنع مسيرة العمالي من التحرك، كلمة السر التي حولت تيار المستقبل الى ميليشيات منتشرة في الشوارع، وقناصة فوق أسطح البنايات.
وقد شكل ظهور ميليشيا تيار المستقبل مفاجأة للمواطنين ولعناصر الجيش اللبناني وللصحافة أيضاً، خصوصاً ان رصاصهم لم يفرق بين هؤلاء جميعاً. وساد الاعتقاد في ساعات ما قبل الظهر من يوم الأربعاء السابع في شهر أيار ان هذه الميليشيا قد أحكمت سيطرتها على بيروت، لكن بعد استسلام عناصر مكتب النويري أمام كاميرات التلفزة واقتحام عناصر من حركة أمل لمركز التيار في بربور بالقوة، سارعت قيادة تيار المستقبل الى اخلاء جميع النقاط القتالية وسحب المقاتلين الى الأحياء الداخلية في الطريق الجديدة.
وفي نهاية الجولة الأولى، وخلال الليل، استعان تيار المستقبل بقيادات من ميليشيات الحزب التقدمي الاشتراكي لإعادة تنظيم الصفوف بعد عتاب شديد بين الرفاق على تخلف الاشتراكيين عن النصرة والمساعدة، وجرى الاتفاق على وضع خطة للمحافظة على المراكز الرئيسية، ولا سيما في الحمرا والقنطاري، حيث مقر اقامة النائب سعد الحريري، وكليمنصو ووطى المصيطبة حيث منزل النائب وليد جنبلاط ومنطقة النفوذ الاشتراكي.
وبحسب الخطة استقدم تيار المستقبل عشرات المقاتلين من الشمال والبقاع وصيدا في الباصات والسيارات ونشرهم في الشوارع والمفارق لتثبيت سيطرته على مناطق الطريق الجديدة والحمرا والقنطاري على وجه التحديد، وفتح معارك متنقلة في الشوارع والمناطق. كما قرر ممارسة الضغط على المعارضة بقطع الطرق الدولية المؤدية الى سوريا وقطع طريق صيدا بيروت في محلة الجية.
ومنذ اندلاع المواجهات يسعى تيار المستقبل الى تعزيز ميليشياته الناشئة بالاستعانة بأصحاب الخبرة ممن شاركوا في الحرب الأهلية اللبنانية، فأعطى صلاحيات واسعة للمنسقين العسكريين والأمنيين بتجنيد مقاتلين وبصرف مبالغ مالية لقاء الموافقة على حمل السلاح والانضمام الى حرب الشوارع أو الحراسة. ويشرف على عملية التجنيد أحمد الحريري شخصياً باعتباره المسؤول الأول عن التنظيم الشبابي للتيار، عبر هيكلية تنظيمية موازية للجناح السياسي للتيار الذي يستند الى التقسيم الاداري للبنان. ويعتبر التيار المحافظة منطقة على رأسها منسق عام، ويشكل المنسقون في القرى مجلس القضاء ويشرفون على عمل المجموعات العسكرية. وقد فرض التيار حالة استنفار قصوى في جميع المنسقيات العسكرية والأمنية والسياسية والنقابية والتربوية، وطلب منهم المساهمة في هذه المعركة.
واجهت ميليشيا تيار المستقبل عقبات كثيرة في حربها الأولى، منها تسرب أعداد كبيرة من المقاتلين من النقاط العسكرية من أبناء بيروت لعدم اقتناعهم بحرب المستقبل ضد المقاومة وسلاحها لمصلحة "اسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية، كما واجهت صعوبات في نقل المقاتلين من المناطق الى العاصمة، فضلاً عن عدم خبرتهم في القتال والمناورة. وجميع هذه الأسباب تجعل من عمر هذه الميليشيا قصير جداً.
قاسم متيرك
الانتقاد/ العدد1266 ـ 9 ايار/ مايو 2008