ارشيف من : 2005-2008

يوم إضراب طويل في وجه زيادة وهمية للأجور: العمال في مواجهة حكومة التجويع

يوم إضراب طويل في وجه زيادة وهمية للأجور: العمال في مواجهة حكومة التجويع

7 أيار 2008 يوم نقابي جديد دخل تاريخ الحركة النقابية المطلبية في لبنان من بوابتها العريضة، فقد شهدت معظم المناطق اللبنانية نهار الاربعاء الماضي حركة تجاوب واسعة مع الاضراب العمالي العام الذي لاقته معظم الاحزاب والحركات بتأكيد المشاركة الفعالة.
وعلى الرغم من التهديد الذي تعرض له المواطنون من خلال منشورات وزعتها الميليشيات التابعة للفريق الحاكم تتضمن تحذيرا من التجاوب مع الدعوة للاضراب، فقد اقفلت معظم المحال والمؤسسات والمدارس والجامعات ابوابها، كما ان تعليق الاتحاد العمالي العام للتظاهرة التي كان من المقرر ان تجوب شوارع بيروت وصولا الى المصرف المركزي شكل نقطة سلبية اضافية للسلطة التي عجزت عن تأمين خط سير التظاهرة الذي شهد طريقها المفترض اشكالات تسبب بها عناصر من تيار المستقبل عندما اعتدوا على المشاركين في التظاهرة وعلى الجيش اللبناني.
مؤتمر الاتحاد العمالي العام
وقد حمل رئيس الاتحاد العمالي العام الحكومة الفاقدة للشرعية مسؤولية الخلل الامني الذي وقع بعد ان امنت مواقف السلطة السياسية المناخ الذي سمح للبعض برمي القنابل على القوى الامنية والمتظاهرين، ووجه غصن انتقادا لرئيس الحكومة الذي ادار ظهره للتحرك (سافر الى الكويت) بدل ان يجد حلا للمشكلة القائمة بين الحكومة والشعب، ونفى غصن نفيا قاطعا ان تكون الحكومة قد وجهت دعوة للاتحاد لحضور اجتماع لجنة المؤشر الاخير الذي عقد يوم السبت الماضي، واكد رئيس الاتحاد العمالي العام على تمثيل الاتحاد لكافة العمال بعيدا عن تقسيم الشعب لشرائح سياسية.
قرارات الحكومة  
وكانت الحكومة الفاقدة للشرعية قد اصدرت قرارات تقضي برفع الحد الادنى للاجور الى خمسمئة الف ليرة واعطاء موظفي القطاع العام مقطوعة على الرواتب بقيمة 200 الف ليرة على الرواتب و100 الف ليرة للمتقاعدين، كما تم رفع بدل ساعات التعليم بقيمة 3000 ليرة عن التعليم الاساسي 4000 ليرة عن التعليم المهني والثانوي.
زيادة وهمية
الا ان هذه الزيادة اعتبرت من قبل الخبراء الاقتصاديين والنقابيين زيادة وهمية، فهي تفتقر للاليات التطبيقية، فالزيادة في القطاع العام تحتاج الى قانون والمجلس النيابي مغلق امام الحكومة الفاقدة للشرعية، كما ان وزير المال جهاد ازعور اعلن عدم قدرة الخزينة اللبنانية تغطية هذه الزيادة، اما بالنسبة الى الزيادة في القطاع الخاص فقد اجهضت بعد اعلان بعض اصحاب العمل على لسان رئيس جمعية الصناعيين فادي عبود رفضهم صرف هذه الزيادة، هذا اضافة للاستبعاد المتعمد للاتحاد العمالي العام عن اجتماع لجنة المؤشر التي عقدت في السراي الحكومي يوم السبت الماضي ما شكل مخالفة قانونية واضحة، فالقانون ينص على ضرورة حضور اطراف الانتاج مجتمعين، اي الدولة واصحاب العمل والعمال، واذا تعمقنا اكثر في عملية تصحيح الاجور لا بد من الاشارة الى ما ورد في احدى اكثر الدراسات الاقتصادية جدية التي استشهد بها الخبير الاقتصادي غالب ابو مصلح وفيها ان زيادة معدل التضخم بلغت بين العامي 1996 والعام 2007 نسبة 58% وبالتالي فمن الضروري زيادة معدلات الرواتب والاجور بنسبة 78% عما كانت عليه في العام 1996 ما يجعل الرقم الذي طالب به الاتحاد العمالي العام رقما منطقيا ومنصفا.
اما مبررات الاضراب فتبدأ ولا تنتهي ذلك ان السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية والاجتماعية التي اعتمدها الفريق الحاكم منذ العام 1992 رفعت نسبة البطالة والهجرة واقفال المؤسسات الانتاجية، وزادت الفقر وقضت على ما يسمى الطبقة الوسطى في لبنان، ويمكن اختصار المشهد الاقتصادي اللبناني بالمؤشرات التالية:
ـ ارتفاع معدلات التضخم بنسب عالية ونظام ضرائبي غير عادل يرفع الضرائب غير المباشرة التي تتحملها الطبقات الفقيرة مقابل خفض للضرائب المباشرة لمصلحة الاغنياء، اما نسبة الدين العام فهي الاعلى في العالم، وقد كلفت خدمة الدين المواطن اللبناني في العام 2007 فقط مبلغ 2.3 مليار دولار، اضافة الى النظام الاحتكاري الذي يمتد ليشمل قطاعات اضافية واساسية كالدواء والطاقة والمعادن والترابة وغيرها من قطاعات في ظل مظلة فساد منظم صار لبنان مضرب مثل بين الدول على صعيده. في وقت نسمع فيه اصوات وزراء لا يترددون بالمطالبة بالغاء نظام الحماية الاجتماعية على هشاشته ورفع الدعم عن قطاعات تؤمن مداخيل بسيطة لفئات واسعة من اللبنانيين، كما تبرز مع ظاهرة الغلاء المستشرية حالة غياب اي رقابة رسمية على الاسعار والاسواق. 
في ظل هذا الواقع تستوقفنا ارقام مخيفة ومنها:
ان حوالى 1% من اللبنانيين يسيطرون على اكثر من 50% من الثروة الناتجة في لبنان، اما رؤوس اموال المصارف فقد شهدت زيادة بنسبة 1000% وهذا يدل على الفجوة الخطيرة التي باتت تفصل بين اللبنانيين.
وبعد هذه النظرة السريعة على مجمل الوضع الاقتصادي يتبين بلا ادنى شك أن مطالب الاتحاد العمالي العام المتمثلة بتصحيح الاجور وتحسين اوضاع العمال ما هي الا الحد الادنى من الاحتجاج على حكومة أظهرت الوقائع أنها الأكثر بعدا وجفاء عن هموم ومعاناة المواطنين. 
بثينة عليق
الانتقاد/ العدد1266 ـ 9 ايار/ مايو 2008

2008-05-09