ارشيف من : 2005-2008
المباحثات السرية والنضالات العلنية لإغلاق معتقل غوانتانامو
باريس ـ نضال حمادة
دخل غوانتانامو قاموس الاعتقال التعسفي لقرن على الأقل. فبعد إغلاق معسكرات التجميع الستالينية والنازية، ثم انتهاء مجازر الخمير الحمر والمعتقلات العربية السيئة الذكر، أصبح غوانتانامو السجن الذي يضرب فيه المثل.
وبرغم أن الإدارة الأميركية تشرف على سجون أسوأ حالاً سجلت فيها عشرات حالات الوفاة تحت التعذيب كسجن" باغرام" في أفغانستان و"أبو غريب" في العراق، وبرغم القتل البارد لقيادات سياسية عراقية وفلسطينية في سجن المطار (كما كان حال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أبو العباس)، وتعايش التعذيب مع السرطان والالتهابات المزمنة والإعاقة الدائمة في سجون العراق، "غوانتانامو" صار الرمز بامتياز، لعولمة السجن والتعذيب والمعاملة الرديئة والقطيعة عن العالم والاعتقال دون مذكرة قضائية أو فترة زمنية، والمحاكم العسكرية السرية.
صدر هذا الأسبوع، في باريس، عن منشورات بيران، كتاب "آن ماري ليزان"، "مهمة غوانتانامو: المباحثات السرية من أجل تفريغ سجن القاعدة البحرية".
والسيدة "ليزان" عضو مجلس الشيوخ الاشتراكية في بلجيكا هي نائبة رئيس المجلس البرلماني في منظمة التعاون والأمن في أوروبا. وقد قامت بعدة زيارات للسجن السيئ السمعة لم يسمح لها في أي منها بمقابلة المعتقلين، وأصدرت تقريرين في 2006 و2007 عن سجن "غوانتانامو" مع توصية بإغلاقه.
تروي رئيسة مجلس الشيوخ في بلجيكا حتى عهد قريب، وصاحبة نظرية "ساعدوا الأمريكان على التخلص من غوانتانامو"، كل العقبات والمشاكل التي تعرضت لها أثناء مهمتها، كذلك المباحثات السرية التي أجرتها مع نائب الرئيس الأميركي ديك شيني والحمائم والصقور في البنتاغون، وكيف تمكنت من إيصال عدة رسائل وفتح الأبواب لعدد من المعتقلين للخروج من "غوانتانامو".
سألنا رئيسا سابقا للجنة حقوق الإنسان عن رأيه في الكتاب فقال: "السيدة ليزان، إنسانة مخلصة جدا لقناعاتها، ولكنها تتعامل مع أردأ إدارة أميركية في تاريخ الولايات المتحدة، لذا وللأسف مهمتها أكثر من شاقة، وهي لا تروي في الكتاب كل ما تعرضت له، فالملفات الشائكة التي كان لها الفضل في فرزها مجمدة اليوم ولا أحد يعرف لماذا: قائمة الستة عشر صينيا من أقلية الويغور، المعتقلون الأربعة من ازبكستان، حالة المصري المرزوق عبد الرحمن محمد، والفلسطيني ماهر رفعت القواري والصومالي عبد الله محمد حسين".
من جهته، يعلق منسق الحملة العالمية لإغلاق "غوانتانامو" الدكتور هيثم مناع على الكتاب بالقول: "ما نسميه في الحملة العالمية بالمفرج عنهم بانتظار بلد الاستقبال، كل هؤلاء ما زالوا في السجن برغم الزيارات المكوكية المشكورة للسيدة ليزان لعدد من الدول الأوروبية وضمان موافقة ليتوانيا واليونان وألبانيا لاستقبالهم فيها كلاجئين، حالة السودانيين الثلاثة الذين انتهت كل إجراءات الإفراج عنهم (مصطفى إبراهيم، أمير يعقوب ومصور الجزيرة سامي الحاج) ما زالت معلقة، وقد زارهم قبل يومين وفد سوداني وللأسف يماطل البنتاغون من جديد لكسب أيام أو أسابيع مقتطعة من حياة السجين، الوعد الأميركي بالإفراج عن كل معتقلي المملكة العربية السعودية قبل نهاية شهر آذار/ مارس لم يتم الالتزام به، لقد قامت "ليزان" بجهد كبير وأوصلت لأول مرة أهم رسائل المنظمات غير الحكومية لإدارة السجن والبنتاغون، ولكن هناك انسداد شرايين في دماغ البنتاغون والبيت الأبيض لم تتم بعد معالجته، ولا بد من تصعيد الحملة الدولية".
يشاطر كل من سألناه من منظمات تطالب بإغلاق "غوانتانامو" هيثم مناع هذه القناعة، بل لم يمتنع أحد المحامين المزدوجي الجنسية (بريطاني وأميركي) أن يقول: "الإدارة الأميركية تحاول الاستفادة من مجلس الأمن والتعاون في أوروبا دون أي مقابل".
السيدة "آن ماري ليزان" تدافع عن وجهة نظر تعتمد على أن الإدارة الأميركية قد دفعت غاليا وستدفع مستقبلا أيضا ثمن "غوانتانامو"، وهي تعتقد أن مهمة الآخرين تسهيل الإغلاق بالبحث عن دول تستقبل قرابة خمسين معتقلا سيتعرضون حكما للسجن والتعذيب إذا سلموا لبلادهم. وتستشهد باللجنة العربية لحقوق الإنسان وجمعية الكرامة عندما أعلنتا أن إغلاق "غوانتانامو" من طرف واحد يعني فتح (ميني غوانتانامو) في عدة بلدان بإشراف أميركي دون تبعات قضائية أو أخلاقية على الولايات المتحدة. من هنا تصر على ضرورة أن يكون إغلاق "غوانتانامو" بجهد عربي أوروبي أميركي: الدول العربية تتبع سبيل المثل السعودي لإعادة التأهيل والتعهد بعدم محاربة أميركا لكل من يفرج عنه، أوروبا تقبل قرابة خمسين معتقلا لا يمكن أن يعودوا لبلادهم، والولايات المتحدة تتعهد بإغلاق "غوانتانامو" في 2008.
عدنا لجبهة المقاومة المدنية لنسأل الدكتور هيثم مناع: وما هي الخريطة البشرية والقضائية لسجن "غوانتانامو" في 20 نيسان/ أبريل أجاب: "يوجد اليوم في "غوانتانامو" 275 معتقلا، منهم قرابة مئة يمني لم يتفق بعد على مصيرهم، ولكن أكثر من ثلثيهم دون أي ملف قضائي، وبالتالي لدينا معلومات عن تجهيز معسكر اعتقال يسمى معسكر تأهيل في اليمن. بعدهم يأتي قرابة عشرين جزائريا يوجد مشكلة حقيقية لعدد منهم كون الجزائر لم تشمل ما وقع خارجها من جرائم الحرب على الإرهاب بأي عفو، منهم ثلاثة مزدوجي الجنسية تعهدت البوسنة لنا بقبولهم بعد أن سلمتهم في جريمة حدثت في وضح النهار، ونتمنى أن يصدر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قرار إدانة للبوسنة في هذا الموضوع. ثم لدينا تسعة مواطنين سوريين هم المنسيون في "غوانتانامو" لانقطاع وسائل الصلة الأمنية والسياسية بين الولايات المتحدة وسورية، وللأسف منظمات حقوق الإنسان السورية لم تتحرك من أجلهم كما يجب. نقوم بجهود مشتركة مع عدد من النواب الأوروبيين من أجل هؤلاء. يوجد أربعة معتقلين من الكويت، وتدّعي إدارة السجن بأن أمير الكويت وأمير قطر لم يتدخلا يوما من أجل معتقليهم (يوجد قطري حرم من الجنسية). الملف السوداني مهم جدا لأن المجتمع المدني والسياسي، في السلطة والمعارضة، يتفق على الإفراج عنهم وحسن استقبالهم والتعامل معهم كمواطنين كاملي الحقوق، وتعهد المكتب الدولي للجمعيات الإنسانية والخيرية بدورات تأهيلية مهنية لهم. من المؤسف أن هذا الملف وملف 13 سعوديا قد وضعا قيد الإفراج منذ شهر ولم يفرج عنهم بعد؟".
قمنا بالاتصال بأحد محامي المعتقلين الفرنسيين الذين أفرج عنهم، لنسأله عن الملف نفسه. فكشف لنا أن الإدارة الأميركية لديها 51 ملفا قضائيا فقط، وقرابة عشرين اسما، فيما سماه المنطقة الرمادية (أي يوجد شكوك غير مؤكدة حولهم) في حين أن مشكلتها الرئيسية تدبير عملية التخلص من مئتي معتقل لا ناقة لهم ولا جمل والاحتفاظ بماء الوجه، وأضاف: أنا أعتقد بأن عليهم قلع شوكهم بأيديهم، هم الجناة وهم وحدهم يتحملون مسؤولية إغلاق "غوانتانامو".
الانتقاد/ العدد1265 ـ 2 ايار/مايو2008