ارشيف من : 2005-2008

التحقيق في قضية اغتيال رفيق الحريري في شباط 2005 يتعقد أكثر فأكثر

التحقيق في قضية اغتيال رفيق الحريري في شباط 2005 يتعقد أكثر فأكثر

الملك لعام 2005 الموضوع تحت حماية فرنسا، هذا الشاهد بات مُحيراً بعد إدلائه بتصريحات كاذبة وها هو اليوم مفقود ولا أثر له.‏

هل تخلصت فرنسا بكل بساطة من شخص مزعج قبل أشهر قليلة من بدء أعمال المحكمة الدولية المكلفة بمحاكمة قتلة رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري؟ السؤال يُطرح بعد الاختفاء الغامض لزهير الصديق من مقر إقامته في شاتو في الضاحية الباريسية رغم أنه كان "مراقبا" من طرف الشرطة.‏

وكانت فرنسا قد تسلمت الصديق، وهو عضو في جهاز الاستخبارات السورية مجند من طرف "فريق الحريري"، في آب 2005 بعد أن كان قدم شهادات كاذبة للجنة التحقيق الدولية في مقتل الحريري من أجل "تحميل" دمشق وحليفها الرئيس اللبناني السابق إميل لحود المسؤولية عن اغتيال الحريري.‏

وقد اختفى الصديق من بيته في 13 آذار الماضي، وحسب الرواية الرسمية التي كشف عنها جهاز الاستخبارات الداخلية الفرنسي فإن "أسرة الصديق موجودة في أبو ظبي لكننا لسنا متأكدين من مكان وجوده شخصياً، غير أنه من المرجح أن يكون قد غادر التراب الفرنسي، ولا يمكن أن نعطي معلومات أكثر حول هذه القضية لكونها حساسة". وأضاف مصدر الاستخبارات الداخلية الفرنسية قائلاً "لسنا متورطين في مغادرته، لكننا لا نرغب في رؤيته مرة أخرى في بلادنا، فهو مولع بنسج الخرافات وأقل ما يُقال عنه إنه مريب".‏

وقد تأكد ذلك لمن حققوا معه لمدة سنتين ونصف في فرنسا، حيث كان قد أوقف استجابة لمذكرة اعتقال دولية قبل أن يُطلق سراحه لاحقاً.‏

"مؤامرة"‏

بعد أشهر على اغتيال الحريري في شباط 2005 اتصل المقربون من رئيس الوزراء اللبناني السابق برجل يؤكد أن لديه أسراراً خطيرة، تبين أنه سائق لجنرال سوري ببيروت، فتم نقل الصديق سراً إلى المملكة العربية السعودية، حيث استمع إليه عدد من المقربين ومن بينهم سعد الحريري ابن رئيس الوزراء المغتال. وفي لبنان، كان المحقق الألماني في قضية الاغتيال دتليف ميليس منهكاً بسبب غياب أدلة كافية تجعله يعلن التورط السوري في الحادثة رغم الكم الهائل الذي كان لديه من الشهادات ضدها. فقام الموالون للحريري الذين قدموا كل ما في وسعهم لدعم لجنة ميليس "بجعل الصديق يتبنى معلومات تم جمعها من جهات أخرى". غير أنه كانت هناك حاجة لبلد يقبل استجوابه، وبحكم علاقات الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك بالراحل رفيق الحريري، قبِل قدوم محققي الأمم المتحدة إلى باريس لاستجواب المتهم. تم ترحيل الصديق من السعودية إلى فرنسا، لكن ليس هناك ما يدل على أن شيراك كان على علم بأن ما يدور "مجرد مؤامرة". لكن -حسب مصدر دبلوماسي- فإن جهاز الاستخبارات الفرنسية الخارجية بعد إدراكه لخفايا القضية قرر تسليمها لجهاز الاستخبارات الداخلي، فتولت فرقة من الشرطة الخاصة حراسة الصديق، لكنها ما لبثت أن طلبت إعفاءها من هذه المهمة لصعوبة رقابة هذا الرجل.‏

إن شاهد الزور حطم كل آمال الثقة فيه عندما قال للشرطة إنه قال ما طُلب منه قوله لجعل التحقيق يتقدم في الاتجاه المرغوب فيه مقابل أموال دفعت له. وفي أواخر شهر آب 2005 اتصل الصديق بأخيه عماد قائلاً إنه أصبح "مليونيراً". وهنا أصبح الصديق محل إحراج للفرنسيين، لكنهم لم يعرفوا كيف يمكنهم التخلص منه، ورفضوا تسليمه للبنان لأن حكم الإعدام لا يزال ينفذ فيه، فبقي الصديق في شاتو بضاحية باريس إلى أن اختفى الشهر الماضي.‏

"أختبئ في مكان قريب من الأراضي الفرنسية"‏

تبرز فرضيات عدة لاختفائه. ربما اختار الشاهد الزور بمبادرة شخصية أن يختفي. لعل السوريون استردوه في عملية سرية أو ربما "خبأه" الفرنسيون لإنقاذه من العدالة الدولية. لكن حسب خبير في الاستخبارات فإن الفرضية الأكثر احتمالاً هي أن الذين أتوا به إلى فرنسا أصلاً غيبوه الآن عن الأنظار، وقد يكون ذلك بالتنسيق مع فرنسا أو دون موافقتها. بل يؤكد هذا المسؤول أن فرنسا لم تعد تولي الصديق أهمية لعدم إدانته، ولذلك كان حراً في تحركاته، مضيفاً أن المقربين من الحريري ربما قرروا وقف تقديم الدعم له لحمله على المغادرة ولم يكن مراقباً بصورة مستمرة.‏

وقد تأكد منذ أول أمس أن الصديق حي بعد أن اتصل بصحيفة "السياسة" الكويتية قائلاً "أنا أختبئ في مكان قريب من فرنسا ومن المحكمة الدولية بلاهاي وأنا بصحة جيدة". إذاً لا يُعقل أن يكون مع عائلته في الإمارات. لكن ما الغاية وراء تصريحات كهذه؟ الأمر المؤكد: لم يتم تصفية الصديق كما قال شقيقه عماد لأحد الصحفيين في دمشق. الصحافة السورية المقربة من الحكم تتهم فرنسا "بتسهيل اختفائه". اتهامات أعادها حليفها، حزب الله في لبنان: "هل تملك فرنسا معلومات قد تؤثر على التحقيق وقد أخفتها؟" يسأل أحد نواب الحزب حسن فضل الله.‏

إن سبب إخفاء "حماة الصديق المتآمرين" له ربما يعود إلى خشيتهم من أن يؤدي وجوده إلى نزع الثقة منهم أمام المحكمة الدولية. لكن من الآن حتى ذلك الحين هل يجدر بالنصاب أن يصمت؟‏

المصدر: وكالة اخبار الشرق الجديد ـ 14/4/2008‏

2008-04-15