ارشيف من : 2005-2008

حزب الله خسر قيادياً أساسياً.. «لكن المقاومة المؤسسة باقية»

حزب الله خسر قيادياً أساسياً.. «لكن المقاومة المؤسسة باقية»

كتب نبيل هيثم


ما من أحد يستطيع أن يقدِّر حجم خسارة الشهيد عماد مغنية، سوى «حزب الله» من أعلى هرم المقاومة إلى أدناه. وما من شك ان اغتياله ضربة قوية موجعة ومحزنة للحزب من أعلى هرم المقاومة الى ادناه.
قد يصعب التصديق للوهلة الاولى، لا سيما ان الشهيد مغنية، وكما يعرفونه في الحزب وفي غير الحزب، شخصية استثنائية بالمعنى الامني، شديد الذكاء، شديد الحيطة والحذر، شديد التخفي، عجَـزت عشرات اجهزة المخابرات الاميركية والاسرائيلية والغربية والعربية، التي طاردته لسنوات عن النيل منه، وأفلت منها.
حتى الاسرائيليون، كانوا يعتبرونه «داهية حزب الله»، فهم يعرفونه جيدا، وخبروه جيدا في ميدان المقاومة في الجنوب والبقاع الغربي، وفي «حرب تموز»، ولم يستطيعوا ان ينالوا منه. ولو انهم، اي الاسرائيليون، كما أجهزة المخابرات الدولية والعربية، استطاعوا ان يخترقوا الامن الحديدي لـ«حزب الله» في لبنان، وأن يطالوه في بيروت او في اي مكان في لبنان، لما تورعوا لحظة عن الاقدام على هذا «الصيد الثمين» بالنسبة الى العدو، فوجدوا الثغرة في دمشق، ونفذوا منها الى اغتياله.
على ان خسارة حزب الله الكبيرة، باغتيال واحد من ابرز قادته وكوادره الأساسيين، لم تحجب جسامتها رباطة الجأش التي أظهرتها قيادة الحزب على اختلاف مستوياتها، في موازاة جريمة، يؤكدون في المقاومة، انها طالت حزبا اعتاد ان يقدم قادة شهداء في طريق الصراع الطويل مع اسرائيل، ثقافتهم المقاومة والتضحية والشهادة.
بعد استشهاد السيد عباس الموسوي، تقبل العدو التهاني، كان هدفه آنذاك توجيه الضربة القاضية لـ«حزب الله» والمقاومة، يومها اعلن السيد حسن نصر الله، ان اسرائيل ارتكبت اكبر حماقة في تاريخها. ولاحقا اعترف الاسرائيليون بأن اغتيال السيد عباس، كان خطأ كبيرا، لأنه جرّ على الاسرائيليين اثمانا كبيرة دفعوها. وبدل ان تنتهي المقاومة، كبرت وقويت ودخلت في اوسع احتضان شعبي، حتى باتت رقما صعبا.. والامر يتكرر مع الشهيد مغنية، حيث ان «التصفية الجسدية» كما يؤكدون في المقاومة، قد تأخذ جسدا، لكن في المقابل، تعطي دفعا اكثر، والتحاما اكبر، واحتضانا أوسع، وصلابة اكثر، وإصرارا اكثر. وميزة المقاومة انها ليست نظاما قائما على الفرد، او مرتبطا بفرد، ميزتها انها «مؤسسة»، ونظام مؤسساتي للافراد والكوادر اهميتهم ودورهم ضمنه، انما المقاومة قائمة على بنية قيادية متكاملة، يذهب كادر او احد القادة، والبدائل حاضرة لملء الفراغ وإكمال الطريق.
وفي موازاة علامات الاستفهام التي ارتسمت حول مكان الاغتيال، ولماذا في دمشق، ولأي هدف يرمي العدو من استباحة النظام الامني السوري، فإن جملة تساؤلات تحاول البحث عن الخطوة التالية للعدو، وهل ان الاغتيال محاولة لجر سوريا الى مواجهة، او هو لجر «حزب الله» الى الرد... فمواجهة. والذريعة جاهزة وهي ان «حزب الله» هو المبادر بالاعتداء، لا سيما ان اسرائيل سارعت الى التنصل ونفي مسؤوليتها، وعلى غرار ما اعتمدته بعد العدوان الاخير على سوريا، والذي عادت وأقرت به بعد فترة... طبعا لا كلام علنيا لدى حزب الله في كيفية الرد وزمانه ومكانه. لكنهم يؤكدون انه آت وبالصورة التي ترضي الشهيد.. وفي كل الاحوال لننتظر ما سيقوله السيد حسن نصر الله.
وفي السياق تربط مراجع مسؤولة بين الاغتيال، وبعض الخطوات التي برزت في الجانب الاسرائيلي منذ ايام، ولا سيما منها ان اعلان اسرائيل قبل ايام أن القدرات الصاروخية لـ«حزب الله» صارت اضعافا عما كانت عليه خلال حرب تموز، وأن الحزب اخترق منطقة انتشار قوات «اليونيفيل»، ونقل صواريخه الى جنوبي الليطاني. وكأنه بذلك كان يمهد اعلاميا لعمل أمني.
غير ان ما يثير ريبة المراجع المسؤولة، هو مسارعة الولايات المتحدة الاميركية الى الترحيب باغتيال الشهيد مغنية. وثمة تساؤلات اتهامية طرحتها حول علم الادارة الاميركية المسبق بالاغتيال، وذلك ربطا ببعض الخطوات، التي اتخذها الاميركيون في لبنان قبل ساعات، ولا سيما ما يتصل بالبيان الذي وزعته السفارة الاميركية بعد ظهر الثلاثاء، والذي تضمن تحذيرا للرعايا الاميركيين من التجول والظهور العلني.. ولايام عدة. بدءًا من 13 شباط (امس)، وخلال موعد التجمع في ساحة الشهداء بذكرى الرئيس رفيق الحريري .. وبعده.. لماذا بعده؟
وثمة ملاحظة بالغة الدلالة سجلتها المراجع المسؤولة، وهي ان السيد حسن نصر الله اكد ان اسرائيل تقف خلف كل الاغتيالات التي شهدها لبنان، ولا سيما اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ما أخذه عليه فريق الموالاة والمكابرون فيه وأصروا على مسؤولية سوريا.
تقول المراجع في هذا السياق ان مكان الاغتيال (دمشق) بالغ الحساسية الامنية، وتمكنت اسرائيل وسط ذلك من اغتيال الشهيد عماد مغنية. فمن يستطع ان يخرق النظام الامني السوري وهو نظام صلب ومتماسك، ويقتل عماد مغنية، فإنه يستطيع ان يخرق اي نظام امني آخر اقل صلابة، كالنظام الامني اللبناني السوري الذي ألقيت عليه مسؤولية كل الاغتيالات في لبنان. ومن يستطع ان يخرق النظام الامني السوري ويقتل عماد مغنية المتخفي ووجهه غير معروف، فهو قادر على اختراق النظام الامني اللبناني السوري الذي كان سائدا في لبنان ويقتل جورج حاوي، ويقتل جبران تويني، ويقتل سمير قصير، ويقتل بيار الجميل، ويقتل وليد عيدو ويقتل انطوان غانم وغيرهم .. ويقتل رفيق الحريري.. ومؤكد ان هذه الملاحظة لن تعجب المكابرين؟

 المصدر: صحيفة السفير اللبنانية

2008-02-23