ارشيف من : 2005-2008

مختلفون حتى على الشهادة ؟

مختلفون حتى على الشهادة ؟

كتب سركيس نعوم...
من زمان، وتحديداً منذ نحو عقدين، و"القائد الكبير" في "حزب الله" كما وصفه بيان نائبه الصادر عن قيادة الحزب امس، الحاج عماد مغنية موضوع على لائحة التصفية سواء من اسرائيل او من اميركا. فالاولى اخذت عليه مشاركته في تأسيس الحزب في النصف الاول من ثمانينات القرن الماضي ومساهمته الكبيرة في جعله قادراً على الحاق الاذى بها في لبنان واحياناً داخل اراضيها، ولاحقاً على الحاق الهزيمة بها وتالياً فرض الانسحاب عليها منه. وذلك ما حصل في ربيع عام 2000. واخذت عليه ايضاً توليه بعد ذلك مهمة تعبئة انصار الحزب وجمهوره المنتشرين في ارجاء العالم وتأطيرهم وتنظيمهم واعدادهم لمهمات المقاومة للاحتلال الاسرائيلي سواء في لبنان او خارجه. اما الثانية، اي اميركا، فاتهمته بجملة امور منها مسؤوليته المباشرة ليس عن قرار خطف الرهائن الغربية في لبنان وتحديدا الأميركية او عن قرار تفجير السفارة الاميركية في بيروت اكثر من مرة ومقرّي "المارينز" والقوات الفرنسية العاملة في اطار القوة المتعددة الجنسية عام 1982 بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان، بل عن تنفيذ هذه القرارات. واخذت عليه عمله المباشر مع الجمهورية الاسلامية الايرانية ضدها في اكثر من منطقة في العالم. واخذت عليه ايضا تحوله، في رأيها طبعاً، حلقة وصل اساسية بل ربما الحلقة الاساسية بين الجماعات الارهابية الاسلامية في العالم على تنوعها المذهبي وذلك باشراف وتنسيق من النظام الاسلامي في ايران.
لكن تنفيذ التصفية لم يكن متاحا طوال العقدين المذكورين لاسباب عدة منها الاخفاق في الحصول على معلومات دقيقة عن حله وترحاله، وفي اختراق صفوف "حزب الله" او راعيته ايران او حاميته في لبنان، اي سوريا. الا ان ابرز الاسباب كان ان "عمره لم ينته" كما يقول المؤمنون في بلادنا وفي سائر انحاء العالم. هذا العمر "خلص" ليل اول من امس في دمشق على ايدي "اسرائيل والمستكبرين" كما قال بيان قيادة "الحزب". ومع ان كلمة "المستكبرين" تعني اميركا على وجه الاجمال، فان كثيرين تساءلوا لماذا اغفلت هذه القيادة تسميتها صراحة في معرض الاتهام؟ هل لانها متأكدة من ان اسرائيل هي الفاعلة؟ ام لانها تعرف ان اتهام اسرائيل لا يمكن ان يكون باطلاً؟ ام لانها تريد ان تقطع دابر اي اقاويل او اتهامات اخرى او تساؤلات في اوساط "شعوب" لبنانية طاغ عليها الفكر التآمري؟ ام لأنها تريد ان تتأكد من دور اميركا في الاغتيال قبل التسمية الصريحة لاعتبارات كثيرة، علماً انها لا تميز بين اميركا واسرائيل في كل شيء وتحديداً في القضايا الامنية.
ما هي آثار اغتيال القائد الكبير في "حزب الله" الحاج عماد مغنية؟
على صعيد الحزب لا بد ان يدفع الاغتيال قيادته ورعاته الاقليميين، وخصوصاً ايران، الى اجراء تقويم دقيق لامنه وامن قادته ولاوضاع حلفائه وحلفائهم سواء كانوا دولاً ام جهات ام اشخاصاً. ذلك ان النجاح في تنفيذ قرار مزمن بقتل مغنية ما كان ممكناً لولا ثغر معينة امكن تلافيها نحو عشرين عاماً. ولا بد ان يدفع الى اعادة نظر في طريقة تحرك قيادات الحزب ليس في لبنان فقط، وانما ايضاً في الدول الحليفة .
وعلى صعيد لبنان، يبدو المشهد "سوريالياً" ومخيفاً. فاليوم يحيي قسم مهم من اللبنانيين ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري قبل ثلاث سنوات وذلك بعدما طوّبه شهيداً واتهم بقتله سوريا المدعومة من ايران، اي شهيد المحور السوري – الايراني، كما صارت التسمية الآن. واليوم ايضاً يشيع  انطلاقاً من الضاحية الجنوبية لبيروت "القائد الكبير" في "حزب الله" عماد مغنية الذي يعتبره القسم المهم الآخر من اللبنانيين ضحية لاسرائيل واميركا والمجتمع العربي والدولي "الخاضع" لاميركا والمتساهل مع اسرائيل، اي شهيد المحور الاميركي – العربي الذي يدعم فريق 14 آذار. وهذا أقسى ما ابتلي به لبنان واللبنانيون الذين صاروا مختلفين او قد يصيرون مختلفين حتى على الشهادة. ربما يسهل اغتيال مغنية "امرار" احياء الذكرى اليوم على خير مبدئياً على الاقل. وذلك جيد في ذاته، ولكن بعد مراسم التشييع والذكرى لا احد يعرف كيف تسير الامور.
اما على صعيد سوريا، فإن اغتيال مغنية مربك ومقلق. اولا لانه تم على ارضها وفي عاصمتها، ومن شأن ذلك اظهارها انها مكشوفة امنياً وعاجزة عن حماية ضيوفها وحلفائها وشركائها، وربما لاحقاً شعبها. وثانياً لانه قد يكون اشارة غير مباشرة الى سوريا من اعدائها الى قدرتهم على زعزعة الامن فيها، اذا لم "ترتدع" او تغيّر في مواقفها والسياسات. والامران صعبان وخطران.
في النهاية لا بد من الاشارة الى انني لم اعرف عماد مغنية، لكنني التقيته قبل عقد ونصف عقد تقريباً في طهران. كنا مجموعة صحافيين في فندق "الاستقلال" (هيلتون قبل الثورة الاسلامية) نتسامر مساء بعد انتهاء اول مؤتمر اسلامي دعت اليه ايران لدعم الانتفاضة الفلسطينية. فانضم الينا شاب ذو وجه طفولي، ابيض البشرة وحليق الذقن. سلَم، ولم يعرّف عن نفسه (الآخرون كان معظمهم يعرفه). تحدث بثقة وقوة عن كل شيء وخصوصاً عن اميركا. وعندما افضت الجلسة قيل لي أنه مغنية.
ملاحظة: لا يُلغي اتهام غالبية العالم مغنية بالقيام بأعمال ارهابية حقيقة انه كان الى ذلك مقاوما للاحتلال الاسرائيلي لأجزاء من لبنان. لذلك تعازيّ الحارة الى عائلته ورفاقه.
المصدر: صحيفة النهار اللبنانية، 14 شباط/ فبراير 2008

2008-02-14