ارشيف من : 2005-2008

حزب الله: الاغتيال له فعل النار في الهشيم

حزب الله: الاغتيال له فعل النار في الهشيم

كتب عماد مرمل ...
ساد الذهول في الاوساط القيادية والشعبية لحزب الله عند الاعلان عن استشهاد عماد مغنية، أحد أبرز العقول المدبرة في الحزب.
كان يكفي النظر الى عيون مسؤولي الحزب ـ وهم يتلقون التعازي بالشهيد ـ لمعرفة هول الحدث وفداحته. كثر لم يستطعوا إخفاء دموعهم التي كانت تتسلل من بين الجفون، وبعضهم كاد يفقد رباطة الجأش وهو يتكلم عن مآثر «القائد الكبير في المقاومة»، فينحبس الصوت في الحنجرة وتخنق الغصة أنفاس الكلمات.
وأخيرا... خرج مغنية الى الضوء بعد إقامة طويلة وطوعية في الظل، ألقت عليه عباءة من الغموض والجاذبية. خرج الى العلن في اللحظة ذاتها التي دخل فيها الى النعش. هي المعادلة الصعبة التي تختصر سيرة هذا الرجل منذ ان قرر المباشرة في مقارعة اسرائيل قبل 25عاما، فكان الموت فقط يملك امتياز ان يبوح بسر احتفظت به الحياة، حتى ليل أمس ألاول.
وحدهم المقربون من عماد مغنية والعارفون به يدركون حجم الخسارة الحقيقية. أما ما طفا على السطح حتى الآن فليس سوى نتف من حقيقة هذا الرجل التي تخفي الكثير من المآثر المدهشة. وهكذا، كان مفهوما ان يعلو صراخ «تلامذته»، من الذين كانوا يعملون معه والى جانبه، فور وصول الجثمان الى مجمع سيد الشهداء في الرويس حيث وُضع في نعش لفه علم حزب الله وأحاط به أربعة من عناصره.
أوحى المشهد في مجمع سيد الشهداء وكأنه استعادة في بعض جوانبه ليوم استشهاد هادي حسن نصر الله، إذ ظهرت بالامس وجوه تحمل ملامح طائفية وسياسية متنوعة كانت قد غابت عن مقرات حزب الله بفعل الصراع الداخلي الحاد واصطفافاته السياسية، ولكنها عادت لتطل من أجل تقديم واجب التعزية، متجاوزة الخلافات الداخلية الآنية. لقد بدا في هذا الترميم النسبي ـ وربما العابر ـ لصورة الالتفاف حول المقاومة بعضا من العزاء لقيادتها وجمهورها في هذا التوقيت بالذات، بعدما اشتد الحصار عليهما مؤخرا.
وإذا كان قد تعذر على الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله تقبل التعازي مع باقي أعضاء القيادة، لاسباب أمنية معروفة، إلا ان المطلعين على طبيعة العلاقة التي كانت قائمة بينه وبين الشهيد يؤكدون ان نصرالله يشعر من الناحية الوجدانية والانسانية بمصاب كبير وعظيم، حتى ان البعض ذهب الى حد القول بان عماد مغنية كان بالنسبة الى «السيد» بمثابة «ابو الفضل العباس»، حامل الراية في كربلاء.
أما في السياسة، فالكلام يختلف. صحيح ان قياديي حزب الله يعترفون بان الحزب تلقى ضربة معنوية قوية بالنظر الى الطبيعة الخاصة لشخصية وموقع الشهيد، غير انهم يؤكدون في الوقت ذاته ان لا مشكلة بتاتا في إيجاد البديل القادر على تحمل المسؤوليات الامنية والعسكرية التي كانت مناطة بمغنية، وستثبت الايام المقبلة ذلك.
ويلفت هؤلاء الانتباه الى انه سبق للحزب ان مرّ في تجارب لا تقل صعوبة وتمكن من تجاوزها بنجاح، بل هي أعطت نتائج عكسية لم تكن في حساب العدو، كما حصل حين تم إغتيال الامين العام السابق السيد عباس الموسوي، إذ كان استشهاده حافزا ودافعا لمضاعفة التصميم على مواجهة الاحتلال وتطوير المقاومة.
وبلهجة تفيض تحديا، تسمع في الأوساط القيادية للحزب من يقول: لا يشمتن أحد بما أصابنا... صحيح اننا سنبكي اليوم وغدا على الشهيد، ولكن صبرا. إن شهادة عماد مغنية سيكون لها في نفوسنا فعل النار في الهشيم، وسيرون كيف ان أعداد المجندين في المقاومة ستتضاعف وأعداد الصواريخ ستزداد... إن الجريمة ستمنحنا قوة دفع إضافية خلافا لما يتصوره البعض، ومن يعتقد اننا ضعفنا فهو واهم ولا يعرف حزب الله جيدا.
وكيف ستنعكس الجريمة على علاقة حزب الله مع الداخل اللبناني؟
تبدو اهتمامات الحزب في مكان آخر، في هذه اللحظة بالتحديد، وأقصى ما يمكنك الحصول عليه ردا على هذا السؤال هو الآتي: سننتظر ما سيقوله رموز الموالاة خلال مهرجانهم الخطابي اليوم، حتى يبنى على الشيء مقتضاه، وطريقة تعاطينا تتوقف بشكل أساسي على نوعية المواقف التي ستصدر، إنما ما يؤسف له فعلا ان يكون هناك من سارع الى الربط بين الاغتيال والمحكمة الدولية، وهذا أمر سخيف وهزيل. ولكن هذا «التحفظ الجزئي» لا يمنع تسرب المرارة الواضحة حيال كلام بعض قيادات الموالاة التي لم تتورع عن توجيه اتهامات أمنية الى الشهيد مغنية، متعمدة التداول باسمه بمناسبة ومن دون مناسبة.
وتقر أوساط الحزب بان عملية الاغتيال في دمشق تؤشر الى اختراق مخابراتي خطير، يجري حاليا التدقيق في كيفية حصوله، ولا سيما انه طال شخصية كانت تحيط نفسها بإجراءات احترازية شديدة ومعقدة، ومن المتوقع ان تصبح الرؤية أوضح لدى الاجهزة الامنية في حزب الله خلال يومين مع إنجاز التحقيقات الأولية.
وماذا عن الرد المحتمل على استهداف أحد«مبدعي» المقاومة؟
يأتيك الجواب سريعا: لا تحملوا همّ الرد... أتركوه يأخذ مجراه الطبيعي... 
المصدر: صحيفة السفير اللبنانية، 14 شباط/ فبراير 2008

2008-02-14