ارشيف من : 2005-2008
عماد مغنية شهيداً: «الثعلب» الذي شغل الكون.. ربع قرن
كتب واصف عواضة...
عماد فايز مغنية، الشاب الجنوبي القصير القامة، من بلدة طيردبا في قضاء صور. هو «الثعلب» الذي شغل الكون طوال ربع قرن من الزمن. كان في العشرين من عمره عندما بدأ اسمه يلمع مع بدايات انطلاق «حزب الله» والمقاومة الاسلامية، وسقط في السادسة والاربعين من عمره، واسمه وصورته التي تكاد تكون نادرة، على لائحة مكتب التحقيق الفيدرالي ووكالة المخابرات الأميركية كواحد من «أهم المطلوبين» في العالم، بل ربما أحد أهم ثلاثة من المطلوبين دوليا الى جانب أسامة بن لادن وأيمن الظواهري. يكفي أن رأسه بالنسبة للإدارة الأميركية يساوي خمسة وعشرين مليون دولار، وهو حجم الجائزة الذي ارتفع في السنوات الاخيرة من خمسة ملايين الى هذا الرقم الهائل.
قيل وكتب الكثير في عماد مغنية. لكن قليلين جدا هم الذين يعرفون الرجل حق المعرفة. فقد كان دائم التخفي كتوما قليل الكلام، وهي من صفات المشتغلين في الشؤون الأمنية والعسكرية. وحدها قيادة «حزب الله» تعرف التاريخ الكامل للشاب الذي شغل بال الأميركيين والاسرائبليين عقدين كاملين من الزمن. ووحدها قيادة «حزب الله» تعرف حجم الخسارة الكبرى باغتياله، كأحد أبرز قادة المقاومة ومهندسيها ومخططيها طوال ربع قرن من الزمن.
ينتسب عماد مغنية الى عائلة معروفة في جنوب لبنان أنجبت عددا من كبار العلماء في الطائفة الشيعية، واشتهرت تاريخيا بصناعة الثقافة والكتب والمكتبات. لكن عماد لم يتيسر له الاشتغال في مهنة العائلة حيث انصرف باكرا الى العمل الجهادي، وكان من أول المنخرطين في «حزب الله» عند انطلاقته عام ,1982 وهو لم يتجاوز العشرين عاما، حيث كان على صلة دائمة بالمؤسسين الأوائل والقيادات والأمناء العامين. وكان قبل ذلك على صلة وثيقة بحركة «فتح» والمقاومة الفلسطينية.
تصعب الكتابة عن عماد مغنية، ليس لشح في المعلومات أو الاتهامات التي سيقت عنه، بل لأن جزءا كبيرا من هذه المعلومات سيبقى ملكا للعارفين القلائل وللتاريخ. وبالتأكيد ثمة أسرار كثيرة ستدفن معه. فالرجل لم يكن مجرد متلق أو منفذ أوامر، بل كان قائدا ومخططا ومهندسا في الشؤون الأمنية والعسكرية. وهو لم يلقب بـ«الثعلب» إلا لأنه يمتلك من الكفاءات العملية ما شغل أجهزة المخابرات العالمية هذه المدة الطويلة لكي تتمكن من اصطياده.
بغياب عماد مغنية يخسر «حزب الله» والمقاومة الإسلامية واحدا من أبرز كفاءاته. هي ضربة موجعة على الخاصرة، لكنها بالتأكيد ليست قاتلة. فالحزب لم يعد شخصا بحد ذاته. انه مؤسسة ولاّدة للكفاءات والكادرات والقيادات، وان مراجعة بسيطة ليوبيله الفضي تؤكد قدرته الدائمة على الإنتاج الذي يقوى على الخسائر.
المصدر: صحيفة السفير اللبنانية، 14 شباط/ فبراير 2008