ارشيف من : 2005-2008

كل شيء كان هادئاً قبل 24 نيسان...

كل شيء كان هادئاً قبل 24 نيسان...

أصدقائه. لم يلتقطوا منه جديداً. ولم يبذل هو جهداً استثنائياً لمزيد من «الشدشدة». طمأنهم إلى موقف وزيرته الملتبس. ردد أمامهم ما صار بالنسبة إليهم كليشيهات. فهم الطرفان ضمناً أن الجمود سيّد الموقف، مع ضرورة التيقّظ والحذر والاستنفار النصفي.‏

حتى وليد جنبلاط لم يلحظ في زيارة المسؤول الأميركي أي جديد. الرياض لمست من عندها الانطباع نفسه. فاستمر شبح مسرح المختارة في تمايزه التكتي عن فريقه ومغازلته عين التينة. وتابع سعد الدين الحريري أعماله الملحّة في وقت الفراغ السياسي اللبناني، من على طائراته ومواطنه الأُولى والأَوْلى.‏

فجأة، في 24 نيسان، حطّ وليد المعلم في طهران. قبل هذا التاريخ، كان كلام كثير عن وساطة تركية بين دمشق وتل أبيب. بشار الأسد شرحها على طريقته. إيهود أولمرت أكد وحاول التخفيف من الوقع المزعج أميركياً. قال: «يعرفون تماماً ما نريد منهم، وأعرف تماماً ما يريدون منّا». بعدها قيل إن أعصاب واشنطن ارتاحت نسبياً. فما يريده الطرفان المتصارعان، غير ممكن التقاطع ولا التحقيق. دعوهما يتسلّيان.‏

إلى أن عقد المعلم ونظيره الإيراني منوشهر متكي مؤتمرهما الصحافي. قال المسؤول السوري على مرأى ومسمع من حليفه: «إذا كانت إسرائيل جدية وتريد السلام، فما من شيء يحول دون استئناف المحادثات». عندها انقلب كل المشهد.‏

أن تعلن سوريا موقفاً كهذا من طهران، يعني أنها باتت متفقة مع إيران، حليفتها، الداعي رئيسها إلى إزالة إسرائيل من الوجود، متفقة معها على صيغة استئناف التفاوض. وهذا يعني بالتالي أن الاتفاق يشمل «حزب الله». أصبحت القصة جدية، ولم تعد مجرد إضاعة وقت واستهلاك كلام منمّق.‏

أصلاً كانت واشنطن تدرك تمام الإدراك أن المسافة بين مصالحها الخاصة في المنطقة، ومصالح إسرائيل، باتت ملحوظة. فهي تضع في مقدمة أولوياتها حل أزمتها المتفاقمة في العراق، والتوصل إلى تسوية لمأزق علاقتها مع إيران. ولذلك، كانت واشنطن منذ أربعة أعوام تسعى إلى الإمساك بالورقة اللبنانية، كوسيلة ضغط لتحقيق هاتين الأولويتين. الضغط عبر بيروت على دمشق، لدفع الأخيرة إلى التجاوب معها عراقياً. والضغط عبر تهديد «حزب الله» على طهران لإقناعها بالتجاوب مع المصالح الأميركية في بغداد وكابول وممرات النفط.‏

في المقابل، كانت واشنطن قد بدأت تلاحظ منذ ما بعد حرب 12 تموز أن المصالح الإسرائيلية باتت مقتصرة على أمرين: تحييد الجبهة اللبنانية من دون تورّط إسرائيلي مباشر. واستمرار المشاكل الفلسطينية الداخلية إلى ما لا نهاية.‏

لكن واشنطن ظلت مرتاحة إلى نقطة واحدة تجمع بين مصالحها المتمايزة عن مصالح تل أبيب. إنها نقطة «حزب الله». فما تريده إسرائيل، بمعزل عن رغبات أميركا، قد تكون سوريا قادرة على تقديمه. لولا عقدة «حزب الله». ثم إن تضحية دمشق بالتنظيم الشيعي مسألة مستحيلة، في ظل تحالفها الاستراتيجي مع طهران.‏

في 24 نيسان سقطت معادلة الاطمئنان الأميركية. أضيئت كل الأضواء الحمر في واشنطن: ثمة معادلة سرية قد رست بين سوريا وإسرائيل برضى إيران، ما يعني خروج الأميركيين من اللعبة. أعلن الاستنفار، وبدأت الحرب.‏

في بيروت تلقّى المعنيون الأمر والخبر. عاد الحريري بعد يومين، وجّه إلياس المر كتابه إلى العميد جورج خوري. تلقّف جنبلاط الجواب وفتحت كل النيران في وقت واحد.‏

قالت رايس بوضوح: نرفض أي مفاوضات تتجاهل الوضع في لبنان. والترجمة العربية لهذا الكلام أن واشنطن تريد من دمشق وتل أبيب ضمان مصالحها أولاً، في العراق وإيران، تحت طائلة التفجير في بيروت.‏

فريق قريطم بات رأسه على المقصلة. فالسلام الإسرائيلي ـ السوري بالنسبة إليه شرطه إطاحة نظام بشار الأسد، والمجيء بحكم سنّي يكون امتداداً لحكم قريطم في بيروت. وإلا فهو يفضل استمرار الحرب. الرياض ليست بعيدة عن هذا المنطق والحساب. هكذا التأم فوراً نصاب معسكر «العدوان الثلاثي» الجديد. واشنطن تشترط على المتفاوضين فجأة حل مأزقيْها في بغداد وطهران. الرياض تشترط ترك التفاوض إلى نظام سوري آخر. وقريطم تتقاطع مع كل ما سبق، وتتمنى الانتهاء من «حزب الله» وميشال عون، وإعادة عبد الحليم خدام إلى قصر الشعب في دمشق.‏

أين مصلحة لبنان في هذه المعمعة؟ سؤال يملك المعنيون به اجتهادات كثيرة، ولا جواب.‏

المصدر: صحيفة الأخبار اللبنانية، 6/5/2008‏

2008-05-06