ارشيف من : 2005-2008
زمن التسوية لم يحن بعدُ والأزمة تنتظر المنطقة وتعقيداتها: وقائع من اجتماع 14 آذار... وقراءة لنتائج «إحباط» الحوار
مجلس النواب نبيه بري.
كان الرئيس بري قد «جرّ» حلفاءه في المعارضة «بغير رضا» لملاقاة فريق الموالاة في «منتصف الطريق»، ثم خطا وحده خطوة إضافية نحو النصف الثاني، فإذا بجواب الموالاة عليه: «نتكلم معك على انفراد في هذا الطريق الفرعي»...
وتبسّمت قوى في فريق الموالاة لنجاحها في إعادة ضبط إيقاع حركتها وفرض «الانضباط» على مكوّناتها.
كان رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط يحاول مجاراة «صديقه اللدود»، فإذا بحلفائه يقطعون عليه الطريق ويطلبون منه الانكفاء: «انتظر قليلاً... لا تقع في الكمين... الرئيس بري سيأخذك إلى البحر ويردّك عطشان».
في المحصلة بقيت الطاولة منصوبة في ساحة النجمة تنتظر القهوة لجلسائها، ربما لوقت طويل، لكن الحوار الذي طار عنها قبل سنة ونصف السنة ولا يزال تائهاً يبحث عن مهبط ولم تستطع اللقاءات الثنائية تعبيده سابقاً، أصيب في غير مقتل من «صائدين» يتربصون به وله...
وفي المحصلة أيضاً خمس نتائج مباشرة لإحباط الحوار:
1ـ تكريس عجز القدرة اللبنانية على إجراء تسوية داخلية بمعزل عن تشابك الملفات الإقليمية والدولية.
2ـ الإقرار بأن النيات المحلية لا تستطيع العبور من العلني إلى العملي الذي «يفضح» ضيق هامش المناورة الداخلي ويبيّن أن سقف التمايز منخفض جداً، ويكشف أن آلية المواقف الداخلية هي انعكاس شبه تام للإرادة الخارجية.
3ـ إعلان «كفّ يد» وليد جنبلاط عن إدارة فريق 14 آذار، ومنعه من أخذ الأكثرية إلى أي نقطة لا تتوافق مع استراتيجية مجمل مكونات حلفائه وحساباتهم، كما محاصرته في دائرة محددة لقطع أواصر ما حاول بناءه خلال الأسابيع الماضية.
4ـ إعلان فشل رهانات الرئيس بري التي كان يحاول تسويقها بين حلفائه، وإجباره على إعادة تسليم «الراية» إلى «الوكيل الشرعي» للمعارضة العماد ميشال عون باعتبار أن التفويض المعطى إليه لم يسحب منه، وأن «مناوشات» الرئيس بري كانت من خارج التفويض، وهي في كل حال كانت «أمر نهار قضى ليلاً» ولم يعد من داعٍ لـ«مسايرته» بها.
5ـ استسلام لأمر واقع صار ثابتاً، وهو أن زمن التسوية في لبنان لم يحن بعدُ، وأن الأزمة في لبنان تنتظر على هامش أزمات المنطقة وتعقيداتها، الكبرى والصغرى، التي تحددها «طاولة حوار» يجري الإعداد لتكون مقاعدها مريحة للناظرين إليها ولجلسائها على السواء...
ذهبت «غصّة» المعارضة، أو بعضها، وانفرجت أسارير الموالاة، أو صقورها، لأن أحداً لم يدفع ثمناً لتسوية غير مربحة لأي منهم، وبقي أن الفريقين اقتنعا بتقاذف الكرة في الوقت المُصادَر في عهدة المنطقة، لكن الرئيس بري أرسل أمس لشراء «مياه مقطّرة» من أجل «غسل يديه من دم الحوار»، وتلا «فعل الندامة»، ثم انسحب مخلياً الساحة للعماد عون مجدداً بعد أن «قُدَّ الشراك الذي نصبه من أديمه»، وهو مقتنع بما لا يقبل الشك بأنه قدّم فرصة نادرة للموالاة وتحمّل وزرها أمام حلفائه الذين احمرّت أعينهم منه.
هل انتهى الحوار فعلاً قبل أن يبدأ؟ أم أن ثمة فرصة إضافية له؟ ولماذا جاء هذا الجواب من قوى 14 آذار على التنازلات التي قدمها الرئيس بري؟ وماذا تطلب قوى الأكثرية غير انتخاب الرئيس؟
في رأي كثرٍ من المعارضة أن الرئيس بري قدم تنازلات مجانية تباعاً حتى بلغ به الأمر الموافقة على «تعويض معنوي» لانتخاب رئيس الجمهورية أولاً مقابل مجرد «إعلان نيات» مشترك من الموالاة والمعارضة معاً، ومع ذلك لم يفلح في إقناع الفريق الآخر بالسير في هذه التسوية.
لكن الوقائع تفيد أن الرئيس بري حقق اختراقاً مهماً في «خلخلة» الصفوف المتقابلة. وربما جاء المتسرّب من المناقشات التي دارت خلال اجتماع قيادات 14 آذار في قريطم لتكرس وجود وجهتي نظر بينها: فريق قال إن الحوار مضيعة للوقت وإن الرئيس بري ينصب كميناً لتقطيع الوقت وإنه ليس جدياً في التزامه، وقد عبّر عن هذا الرأي خصوصاً الرئيس أمين الجميل ورئيس كتلة المستقبل النيابية سعد الحريري ورئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع. وفريق قال إنه من الصعب الإعلان أن قوى 14 آذار ترفض الحوار ولا بد من ملاقاة الرئيس بري في مكان ما، ربما كانت هناك جدية وصدق نتيجة معطيات مختلفة، فلنقم بنصف خطوة وندع الفريق الآخر يرفض ولنكلف الشيخ سعد الاتصال بالرئيس بري، فإذا اتفق معه على جدول أعمال محدد وتكون هناك ضمانات لنجاح الحوار بتأمين حصول الانتخاب في جلسة 13 أيار، يكون قد تحقق ما نريد، وإذا لم يحصل نسير معكم في الرأي القائل بأن هذا الحوار مضيعة للوقت. وقد عبّر عن هذا الرأي كل من النائب وليد جنبلاط والوزير محمد الصفدي والنائب بطرس حرب.
وقد جرت تسوية على أساس هذا الرأي، ثم جاء البيان «حمّال أوجه» وبالإمكان ترجمته بطرائق مختلفة.
ماذا يعني ذلك؟
يعني أن الحوار معلّق على جملة عناصر أساسية حتى ولو كان بهدف تقطيع الوقت، وربما يستطيع الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى مجدداً في زيارته غداً إلى بيروت نقل الضمانات والتطمينات بجدية النيات المتبادلة للوصول إلى «إعلان نيات» يسمح بأن تكون جلسة 13 أيار حاسمة لانتخاب المرشح التوافقي العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية.
المصدر: صحيفة السفير اللبنانية، 30/4/2008