ارشيف من : 2005-2008

وقائع من حوارات «حزب الله» مع دبلوماسيين غربيين حول المقاومة

وقائع من حوارات «حزب الله» مع دبلوماسيين غربيين حول المقاومة

كتب عماد مرمل
ما تزال المرونة المستجدة في المواقف الأخيرة للنائب وليد جنبلاط موضع تحليل واستنتاج في الأوساط السياسية، بينما يفضل «حزب الله» عدم إبداء أي رد فعل مباشر حتى الآن، في انتظار ان يلمس بأن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي «استقر» على رأي ثابت يمكن البناء عليه.
ولئن كان جنبلاط قد قال لـ«السفير» أمس ان هناك صفحة من التواصل والتعاون مفتوحة مع الرئيس نبيه بري وأنه يعمل على تكريسها، استناداً الى العلاقة التاريخية التي تجمعه به... إلا انه رأى رداً على سؤال حول مدى استعداده لفتح صفحة جديدة مع حزب الله، «ان حزب الله موضوع آخر... وله جدول أعمال مختلف».
ولكن المفارقة، ان ما طرحه جنبلاط ـ قبل أيام ـ بدعوته الى معالجة موضوع سلاح المقاومة على المدى البعيد وفي ظل ظروف مؤاتية، انما تقاطع مع أجواء أوروبية مشابهة عكستها شخصيات دبلوماسية في «غرف مغلقة»، حيث ظهر ان المقاربة الأوروبية لمسألة سلاح المقاومة لم تعد حادة، على الرغم من الاستمرار في طرح الاسئلة حول مستقبل السلاح وهل سيبقى بحوزة حزب الله في حال انسحاب الجيش الإسرائيلي من مزارع شبعا.
وكان لافتاً للانتباه في هذا السياق، أن دبلوماسياً غربياً يمثل دولة فاعلة أوحى خلال لقائه مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله نواف الموسوي، قبل أيام، بشيء من الاستعداد لتفهم او تقبل حقيقة ان موضوع السلاح بات بحكم «المؤجل» ويحتاج الى وقت طويل لمعالجته، في ما بدا انه تراجع في «نبرة الضغط» المعتادة.
وعندما سأل هذا الدبلوماسي مضيفه: ماذا سيعطي حزب الله إذا انسحبت إسرائيل من مزارع شبعا؟ قال له الموسوي انه وبعد اندحار الاحتلال الاسرائيلي من معظم الجنوب عام 2000 حددت المقاومة هدفين لسلاحها، الأول استكمال التحرير والثاني الدفاع عن لبنان، فإذا أنجز التحرير لاحقاً، تبقى مسؤوليتنا المساهمة في حماية لبنان ضد أي عدوان، وهذه وظيفة تتجاوز بمفهومها الوطني والأخلاقي صلاحية السلطة لتطال كل المجتمع... ثم توجه اليه بالسؤال: إذا كانت هناك دولة عدوة مجاورة لكم... هل لك ان تقول لي ماذا تفعلون في مثل هذه الحال؟
وحين رد الدبلوماسي الغربي بأن الدفاع عن لبنان هو دور ينبغي ان تؤديه الدولة، أجابه الموسوي بأن المواجهة التقليدية أثبتت عدم جدواها، لافتاً انتباهه الى ان الاستراتيجية الدفاعية المفترضة يجب ان تتقرر وفق الاحتياجات العسكرية العملانية وليس وفق نظريات في الفكر السياسي، تعتمدها بعض المجتمعات.
وأكثر من ذلك، أبلغ الموسوي زائره الأوروبي بأن المقاومة كانت وما تزال تعمل على تعزيز قدراتها، للحد من احتمال شن عدوان إسرائيلي، لأن إضعاف المقاومة «يغري» العدو ويعجّل في حصول حرب على لبنان، في حين ان توزان الرعب وحده يمنع وقوع الحرب.
وأثناء النقاش، استشهد الموسوي باتفاق الطائف لتأكيد مشروعية استمرار المقاومة، مشيراً الى ان هذا الاتفاق ينص على «اتخاذ كافة الإجراءات لتحرير الارض» في إقرار واضح لا لبس فيه بحق ممارسة المقاومة، كما انه يشدد في بند آخر على ضرورة مواجهة العدوان الاسرائيلي، وإذا كان قد اعتبر ان من واجب القوات المسلحة اللبنانية القيام بذلك، إلا انه لم يحصر هذه المهمة فيها، وهذا أمر طبيعي لأن التصدي للعدوان يمثل مسؤولية وطنية يجب ان يساهم فيها كل قطاع في إطار الاستراتيجية الدفاعية.
وحاول الدبلوماسي الغربي جس نبض حزب الله حيال ما يمكن ان يفعله، او يفكر به، رداً على اغتيال عماد مغنية، فجاءه الجواب ليزيد من حيرته، إذ أكد له الموسوي بأن حزب الله لا يملك ان يكون مكتوف اليدين في مواجهة جريمة موصوفة، تاركاً لضيفه ان يتخيل طبيعة الرد وزمانه.
وأبلغ القيادي في حزب الله زائره ان اغتيال مغنية كان تطوراً خطيراً جداً لأنه شكل:
ـ عملاً عدائياً من الدرجة الأولى ضد لبنان والمقاومة.
ـ خرقاً لمبدأ وقف العمليات العدائية الذي أقر في 14 آب .2006
ـ تجاوزاً لقواعد الصراع بتوسيع الساحة الجغرافية للمواجهة.
وبعدما انتهى من توصيف الفعل الاسرائيلي، نظر الموسوي الى عيني ضيفه الاوروبي، وخاطبه قائلاً: لأجل ذلك كله، فإنه من المشروع أن نمارس حق الدفاع عن النفس وعن لبنان.
وفي الشأن الداخلي، سمع الموسوي خلال لقاءاته مع بعض الدبلوماسيين الغربيين، «إشارات» ذات دلالة حول اتفاق الطائف، وبعضهم ألمح الى انه قد لا يكون هناك مانع أمام إعادة النظر في الاتفاق وتعديله بما يؤدي الى التخفيف من قواعد وشروط التوازن الطائفي، الأمر الذي رد عليه مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله بتأكيد التمسك به وتنفيذه «سلة متكاملة».
ويبدو ان خلفية هذه «الإشارات» تنطلق من اعتبارين:
الاول، شعور بعض الأوساط الغربية ان نظام التوازن الطائفي الذي كرسه «الطائف» يحول دون بسط الهيمنة الأحادية سواء كانت خارجية ام داخلية على لبنان، كون هذا النظام ينتج مراكز قوى داخلية وإقليمية متعددة، في حين ان تغيير قواعد اللعبة يوفر أمام «أصحاب الشهية» في الخارج فرصاً أفضل لسيطرة أسهل وأوسع على البلد.
الثاني، السعي الى استدراج المعارضة نحو نقاش جانبي يفرز صفوفها، المتنوعة طائفياً ومذهبياً، بين متحمس لتعديل «الطائف» ورافض لذلك وصولاً الى تفكيك قواها وبعثرتها.
المصدر: صحيفة السفير اللبنانية، 25/4/2008

2008-04-25