ارشيف من : 2005-2008

استنتاجات «خبيثة» في بيروت... «ميني تدويل» في الكويت

استنتاجات «خبيثة» في بيروت... «ميني تدويل» في الكويت

كتب خضر طالب ...
منذ اللحظة التي أُعلن فيها مساء الاثنين أن نواب الموالاة سينزلون إلى الجلسة الـ 18 في مجلس النواب، سرت التكهنات عن «شيء ما» يحصل بعيداً عن الضوء، ولم تنجح تطمينات المقربين من رئيس المجلس نبيه بري، بأن لا شيء أُعد سلفاً، إلا في «لجم» اندفاعة التوقعات، لكنها لم توقف سيل التأويلات لعدم تأجيل الجلسة وقرار الموالاة النزول إليها.
لم «تطمئن القلوب» إلا فور إعلان الرئيس بري تأجيل الجلسة، من دون أن يعني ذلك إقفال «باب الريح» الذي تتسرب منه أسئلة يصل بعضها إلى حدود «الريبة» مما جرى يوم أمس، وهي راودت بعض «حلفاء» الرئيس بري قبل الخصوم، وتفتح باب الاجتهاد السياسي على رسم سيناريوهات محتملة، بعد أن أقفل النائب السابق مخايل الضاهر باب الاجتهاد الدستوري حول طبيعة جلسة الأمس وتأثيرها، حيث أكد لـ«السفير» أن جلسة الأمس ليست مفتوحة وليست معلّقة، وأي جلسة مقبلة تحتاج إلى دعوة جديدة وموعد جديد، وأنه لا يمكن الاعتماد على أن عدم تحديد موعد جلسة مقبلة يعني أن جلسة الأمس ما تزال قائمة، ولرئيس المجلس الحق الكامل وفق المادة 54 من الدستور في تحديد موعد الجلسة المقبلة.
بطيّ صفحة الاجتهادات الدستورية، التي جرت محاولة للجوء إليها في تفسير مسار جلسة الأمس، تبقى الاجتهادات السياسية مفتوحة على ما سبق وما رافق وما تلى وما سيأتي لاحقاً بعد «الاستعراض» النيابي أمس في ساحة النجمة. من بين هذه الاجتهادات ما كان يهدف إلى «رمي بذور الفتنة» بين الرئيس بري وحلفائه، ومن بينها أيضاً ما رددته «ألسنة سوء النيّة» لما جاء من مديح للرئيس بري على لسان مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد ولش.
لكن، برغم كل تلك «الحبكات» المقصودة، فإن الآلية التي اعتمدت لجلسة الأمس، تركت بعض الضباب الذي يستر أجوبة حول ما جرى. وثمة أسئلة استدراكية وعلامات استفهام تحتاج إلى أجوبة، بسوء نية أو بحسنها أو من باب الفضول، وربما لن تكون الإجابات عليها سريعة وتحتاج إلى بضعة أيام لكشف المستور فيها:
ـ هل ثمة قطبة مخفية في حيثيات الشكل الذي بلغته ثم انتهت إليه الجلسة الـ 18؟
ـ لماذا رفض الرئيس بري فعلياً تأجيلها: هل ليرد على الاتهام بأنه يقفل مجلس النواب ففتح أبوابه على مصراعيها؟ أم لأن التوافق على التأجيل مع أقطاب الموالاة لم يحصل؟ أم بناء لنصيحة ما؟
ـ لماذا أصرّ النواب على النزول إلى المجلس؟ وهل نزلوا بالتوافق أم بالتحدّي؟
ـ ماذا حملت زيارة ديفيد ولش إلى بيروت قبل أيام؟
ـ هل التزامن بين «لغط» الجلسة في بيروت مع «اجتماع لبنان» في الكويت، هو محض صدفة؟
في رأي بعض «الخبثاء» أن الرئيس بري ربما كان «متورطاً» في «مشروع صفقة» تحــت الطاولة. ويستشهد هؤلاء بمجموعة من الدلائــل التي تصـب كلها عند الرئيس بري:
1ـ الجولة المعلنة التي كان بدأها من دمشق إلى القاهرة وانتهت في الدوحة، في انتظار الاقلاع مجدداً إلى الرياض من دون معرفة أي شيء مما حققه في تلك اللقاءات.
2ـ ربط «الانعطافة الاستقلالية» للنائب ميشال المر بـ«تفاهم» مسبق مع الرئيس بري وبتغطية منه.
3ـ حركة ديفيد ولش المفاجئة إلى لبنان، و«الغرام» الأميركي المفاجئ الذي تبدى بالمديح الذي كاله للرئيس بري.
4ـ عدم صدور أي موقف من الرئيس بري تعليقاً على «اجتماع لبنان» في الكويت.
5ـ تراجع الرئيس بري إلى حدود «إعلان النوايا» من قبل فريق الموالاة، كي يكون ممكناً الدخول في التسوية، بعد أن تنازل عن المشاركة في الحكومة وعن قانون الانتخابات لصالح قانون العام 1960 الذي كانت تنادي به قوى الأكثرية.
في المحصلة، خرجت جلسة الأمس المؤجلة إلى «موعد يعلن في موعد لاحق»، بنتيجة واحدة: اجتماع بين الرئيس بري ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط، مع ما يحمل هذا الاجتماع من مغزىً خاص بعد أن تردد في أوساط ضيقة أن الرئيس بري خصص قسماً كبيراً من اجتماعه مع الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد لبحث العلاقة بين جنبلاط وسوريا. وفي الكلام المنقول بشأن «مطالعة» الرئيس بري «الدفاعية» عن جنبلاط أن جواب الرئيس الأسد عليها جاء ملخصاً بعبارة: «سوريا قلبها كبير»...
قد تكون كل تلك الاستنتاجات من باب «الخيال العلمي»، لكنها حتماً تدفع نحو محاولة تفسير كثير من التفاصيل التي استجدت، والتي لا تشكل «سياسة التهدئة» لجنبلاط إلا أحد أبرز عناصرها النافرة.
ربما تدفع إلى ذلك أيضاً القراءة المتأنية للاستراتيجية التي اضطرت إلى سلوكها الإدارة الأميركية مؤخراً، والتي بدا أنها تأتي في سياق استدراج محموم للتفاوض على ملفات المنطقة مع تآكل الوقت الباقي أمام هذه الإدارة لتحصيل أي إنجاز سياسي يمكن استثماره في معركة الرئاسة الأميركية، بعد أن بات العبء العسكري يضغط عليها منذراً بفشل كبــير، خصوصاً في العراق، وهو ما دفع بهذه الإدارة للانكفاء خطــوة إلى الخلف واعتماد مبدأ تعطيل الحلول بعد أن خسرت قـوة المبادرة لفرض حلولها.
لكن ما يمكن أن يكون مفتاحاً للشك، وتالياً للشرّ، هو أن تغفل تلك الحسابات والتفسيرات احتمال أن يكون «مؤتمر الكويت»، بشقه اللبناني، خطوة في اتجاه تدويل الأزمة اللبنانية بمباركة عربية في سياق السعي الأميركي المحموم لاستهلاك واستثمار الوقت الباقي من عمر الإدارة الحالية بكل الوسائل، وفي الحدّ الأدنى أن يكون هذا المؤتمر عبارة عن «ميني تدويل» لأزمة لبنان انطلاقاً من الهدف المعلن للدعوة إليه: «تحضير الظروف لعمل متقدّم يساعد لبنان»... 
صحيفة السفير اللبنانية، 23/4/2008

2008-04-23